مجلة أمريكية: تداخل غير مسبوق بين النفوذ المالي للخليج وقرارات ترامب
تكشف مجلة ذا أتلانتك في تحقيق مطوّل عن أحد أخطر التحولات في السياسة الأميركية الحديثة: التداخل غير المسبوق بين النفوذ المالي لحكّام الخليج وبين قرارات الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال ولايته الثانية، وهي علاقة تصفها المجلة بأنها “تقويض مذهل للسيادة الأميركية”.
وأشارت المجلة إلى أنه منذ تأسيس الولايات المتحدة، كان المؤسسون يدركون خطورة الإغراءات الأجنبية على نزاهة الحكم. فبعد أن تلقّى بنجامين فرانكلين عام 1785 هدية فاخرة من الملك لويس السادس عشر – علبة ذهبية مزدانة بأكثر من 400 ماسة – ارتجّ الكونغرس خشية تسلل النفوذ الملكي الأجنبي إلى الدولة الوليدة.
ونتيجة لتجربة كهذه، تضمّن الدستور الأميركي نصاً صريحاً يمنع أي مسؤول فيدرالي من قبول هدية أو دفعة مالية من دولة أجنبية دون موافقة الكونغرس.
لكنّ ذا أتلانتك ترى أن هذا الحاجز الدستوري انهار عملياً خلال ولاية ترامب الثانية، حيث لم يخضع أي رئيس سابق لمثل هذا الكم من الإغراءات الملكية الأجنبية، ولا سيما من قِبل قادة الخليج.
فمنذ عام 2022، انهالت على عائلة ترامب مئات ملايين الدولارات عبر استثمارات مباشرة، وصفقات ترخيص عقاري، ومشاريع فندقية، وحتى طائرة خاصة. وكل ذلك ترافق مع مكاسب جيوسياسية ضخمة قدمها ترامب لهؤلاء الداعمين.
“نموذج الحكم الخليجي” داخل البيت الأبيض
تقول المجلة إن ترامب تبنّى في ولايته الثانية أسلوباً للحكم يشبه أسلوب الدول الخليجية التي تُدار فيها الدولة كامتداد للعائلة الحاكمة.
في الخليج، لا فاصل بين المال والسلطة؛ الصناديق السيادية والشركات الضخمة تعمل كأدوات سياسية. وعندما يمنح مطوّر عقاري خليجي صفقة لترامب، فإنها ليست مجرد صفقة تجارية، بل عمل سياسي موجّه ومقصود لكسب النفوذ.
وتضيف: “الملك يحكم عبر العطايا، والزعيم الذي يتلقى تلك العطايا لا يمكن الوثوق باستقلاله… وهذا هو الخطر الذي حاول المؤسسون الأميركيون منعه”.
الصفقات التي غيّرت مسار السياسة الأميركية
توقيت تدفق الأموال الخليجية على عائلة ترامب يروي “قصة نفوذ”، كما تقول المجلة. قبل رئاسته، فشل ترامب مراراً في دخول السوق السعودي. لكن بعد وقوفه إلى جانب محمد بن سلمان خلال أزمة مقتل جمال خاشقجي، ودعمه حصار قطر عام 2017، تغيّر كل شيء.
ففي عام 2021، طلب جاريد كوشنر استثماراً بقيمة ملياري دولار من صندوق الاستثمارات العامة السعودي. ورغم رفض المستشارين المختصين داخل الصندوق بسبب ضعف أداء شركة كوشنر، إلا أن ولي العهد تجاوز التوصيات ووافق على الاستثمار.
ثم جاء سيل الصفقات العقارية: مشروع فندقي وملعب غولف في عُمان وبرج ترامب في جدة وساحة ترامب في المدينة المنوّرة وومشاريع إضافية في الرياض ودبي والدوحة والمالديف.
هذا النمط، كما تشير المجلة، لم يكن يحدث لولا موافقة مباشرة من القيادة السعودية.
النفوذ مقابل “الهدايا”: ماذا حصلت الرياض وأبوظبي؟
في مقابل هذا الدعم المالي الضخم، اتخذ ترامب سلسلة من القرارات التي وصفتها المجلة بأنها هدايا سياسية غير مسبوقة: منح السعودية صفة “حليف رئيسي من خارج الناتو” ورفع العقوبات عن الحكومة السنية الجديدة في سوريا “بناءً على طلب الرياض” وتوقيع أمر تنفيذي يتعهد بالدفاع عن قطر ضد أي هجوم وتسهيل مشاريع عسكرية واقتصادية تخدم مصالح الخليج.
وتشير ذا أتلانتك إلى أن هذه المكاسب الجيوسياسية جاءت بعد فترة قصيرة من تلقّي ترامب طائرة بقيمة 400 مليون دولار، قُدمت للبنتاغون على الورق، لكنها ستنتقل إلى “مؤسسة مكتبة ترامب الرئاسية” في وقت لاحق.
وتؤكد المجلة أن الولايات المتحدة لم تحصل مقابل ذلك إلا القليل: وعود سعودية باستثمارات داخل أميركا، وهي التزامات كانت الرياض ستقدمها أساساً لأسباب اقتصادية.
بايدن… والمقارنة الضرورية
تلفت المجلة إلى أن السياسة الأميركية مالت نحو السعودية قبل ترامب وبعده.
حتى جو بايدن الذي تعهّد بجعل السعودية دولة “منبوذة”، تراجع لاحقاً وسعى إلى اتفاق ثلاثي يشمل السعودية وإسرائيل.
لكنها توضح أن هذا الميل كان بدافع الجغرافيا السياسية: مواجهة الصين وإيران، وليس بفعل استثمارات شخصية أو مكافآت لأسرة بايدن.
الفرق، حسب المجلة، هو أن بايدن طالب السعودية بتنازلات كبيرة، منها اعتراف رسمي بإسرائيل وتقليص تدخلها في اليمن، بينما ترامب قدّم التنازلات من دون مقابل حقيقي.
تختم ذا أتلانتك تقريرها بالقول إن ما يحدث ليس مجرد تضارب مصالح، بل “انهيار للخط الأحمر الذي رسمه المؤسسون لحماية الجمهورية من ملوك الخارج”.
تكتب المجلة: “ما كان المؤسسون يخشونه يحدث الآن علناً… الرئيس يتنازل عن السيادة الأميركية لمصلحة ملك أجنبي، من دون ثمن حقيقي”.
الرابط المختصر https://gulfnews24.net/?p=73173



