السياسة الدولية

قطر والسعودية تتحركان لبناء ممرات بيانات برية إلى أوروبا

تتجه دول الخليج بثبات نحو ترسيخ مكانتها كمركز رقمي عالمي، عبر مشاريع استراتيجية ضخمة تهدف إلى تجاوز هشاشة الكابلات البحرية وتعزيز أمن شبكات البيانات.

وتأتي قطر والمملكة العربية السعودية في مقدمة الدول التي تستثمر في إنشاء ممرات برية جديدة تربط منطقة الخليج بأوروبا، في خطوة تعدّل موازين البنية التحتية الرقمية وتقلل اعتماد المنطقة على المسارات التقليدية المعرضة للمخاطر الجيوسياسية.

إذ تخطط شركة أوريدو القطرية لاستثمار 500 مليون دولار في شبكة ألياف ضوئية تمتد من عُمان مروراً بالعراق وتركيا وصولاً إلى فرنسا.

ويعكس المسار الجديد تحوّلاً نوعياً في بنية الاتصالات الخليجية، إذ ينتقل بثقلها من البحار إلى البر.

ويشير محللون، بينهم البروفيسور إياد العاني في برلين، إلى أن هذا التطور يعني عملياً اعتبار العراق وسوريا دولتي عبور آمنتين للاستثمارات الرقمية، الأمر الذي سيدمج البلدين أكثر في اقتصاد البيانات العالمي ويخلق رافعة للتنمية المحلية.

مسار سعودي موازٍ… ومنافسة جيوسياسية صامتة

إلى جانب قطر، تجري السعودية مباحثات لإنشاء ممر بري مماثل يربط المملكة بأوروبا.

ويمثل ذلك منافسة استراتيجية بين الرياض والدوحة لقيادة محور الاتصالات الإقليمي، مع إمكانية أن تتحول المنطقة إلى مركز سنترالي عالمي لحركة البيانات بين آسيا وأوروبا وأفريقيا.

ويرتبط هذا التحول مباشرة بمخاطر البحر الأحمر ومضيق هرمز. فالممران البحريان، رغم أهميتهما الاستراتيجية، يشهدان توترات سياسية وأمنية متكررة.

يمر عبر البحر الأحمر 15 كابلاً دولياً، وتنقل هذه الكابلات 80% من حركة البيانات بين آسيا وأفريقيا وأوروبا. ومع ذلك تعرضت لأضرار متكررة، سواء بسبب الحوادث أو الهجمات المحتملة.

وفي عام 2024، تسببت هجمات الحوثيين، بحسب شركة HGC، في تضرر أربعة أنظمة كابلات، ما أدى إلى تعطيل ربع حركة البيانات في بعض المناطق. هذه الحوادث دفعت مشغلي الاتصالات إلى إعادة توجيه تدفقات البيانات عبر البر الرئيسي الصيني أو الولايات المتحدة.

لماذا الاستثمار في البر؟

يشرح عزيز العثمان فخرو، الرئيس التنفيذي لأوريدو، أن الهدف هو تعزيز مرونة الشبكة العالمية وخلق مسارات بديلة تتجاوز نقاط الاختناق البحرية. وأضاف أن الشرق الأوسط أصبح مركزاً رقمياً عالمياً يمر عبره 30% من حركة بيانات العالم و90% من البيانات بين أوروبا وآسيا.

وضمن استراتيجية التوسع الرقمي، أعلنت شركتا QNBN وGBI اندماجهما لتأسيس كيان موحّد للبنية التحتية الرقمية والذكاء الاصطناعي.

وتغطي QNBN الكابلات الضوئية الأرضية، بينما تملك GBI شبكة كابلات بحرية تمتد إلى آسيا وأوروبا.

وتشير صحيفة ذا بنينسولا إلى أن الاندماج سيحوّل قطر إلى “شركة رائدة في البنية التحتية الرقمية تربط البلاد بالعالم”.

من البنية التحتية إلى الاقتصاد الرقمي… نموذج قطري جديد

لا تنحصر استراتيجية قطر في مد الكابلات فحسب، بل تمتد إلى خلق منظومة متكاملة تشمل مراكز بيانات ضخمة منخفضة التكلفة تعتمد على الطاقة الشمسية ومنصات للذكاء الاصطناعي إلى جانب جذب شركات تقنية عالمية لتأسيس مقار إقليمية وتعزيز كون قطر بوابة ربط رئيسية في الشرق الأوسط.

وبحسب صحيفة جلف تايمز، تسعى قطر إلى استقطاب شركات الذكاء الاصطناعي الأوروبية والآسيوية عبر توفير “بوابة ربط سلسة” وممرات بيانات مستقرة.

ويرى الخبراء أن مشاريع الكابلات البرية ليست مجرد بنية اتصالات، بل جزء من رؤية أوسع تستعد بها قطر والسعودية والإمارات لعصر ما بعد النفط.

وتعتمد هذه الرؤية على التحول إلى مراكز عالمية لتخزين البيانات واستغلال الطاقة الشمسية الرخيصة لتشغيل مراكز البيانات كثيفة الاستهلاك وتصدير خدمات رقمية بدلاً من الوقود إضافة إلى تقليل الاعتماد على المسارات البحريّة التي أصبحت عرضة للتوترات الإقليمية.

الرابط المختصر https://gulfnews24.net/?p=73208

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى