عائلات السجناء السياسيين في مصر: أكثر من عقد بلا زيارات وسط ظروف احتجاز قاسية
بعد أكثر من 12 عامًا على الانقلاب العسكري في مصر، لا يزال آلاف السجناء السياسيين يقبعون في ظروف اعتقال وصفتها منظمات حقوقية بـ”الوحشية”، محرومين من الزيارات العائلية والحقوق الأساسية، في ظل سياسة ممنهجة لإسكات المعارضين. ومع انقطاع أخبار بعض المعتقلين منذ أكثر من عقد، تتزايد المخاوف من أن يكون مصيرهم أقرب إلى الإخفاء القسري طويل الأمد، ما يترك عائلاتهم في دائرة انتظار قاسية لا تنتهي.
سجن بدر 3: من طرة إلى “مقبرة للأحياء”
افتتح مجمع سجون بدر شمال شرق القاهرة عام 2021، ونقل إليه لاحقًا عدد من أبرز المعتقلين السياسيين من مجمع طرة سيئ السمعة. لكن سرعان ما اكتسب سجن بدر 3 سمعة أشد سوءًا؛ إذ يُحرم السجناء السياسيون من الزيارات والرعاية الطبية، ويخضعون للحبس الانفرادي والإضاءة المستمرة 24 ساعة.
أفادت مصادر تحدثت إلى ميدل إيست آي أن عائلات بعض المعتقلين لم تر أبناءها منذ 12 عامًا. إحداها لم تسمع عنه أي خبر طوال فترة احتجازه سوى عبر تسريبات إعلامية أو شهادات من معتقلين سابقين. وقال مصدر مقرب من إحدى العائلات: “تخيل أنك لم تر والدك أو أخاك أو ابنك منذ أكثر من عقد من الزمن. الأمر لا يحتاج أكثر من إذن بسيط من السلطات للسماح بزيارة، لكنه قرار سياسي بامتياز”.
الإهمال الطبي والوفيات
وفق المفوضية المصرية للحقوق والحريات، توفي 13 معتقلًا في عام 2025 وحده، معظمهم في سجن بدر 3، نتيجة الإهمال الطبي وسوء المعاملة. كما تصاعدت محاولات الانتحار داخل السجن؛ إذ وثقت منظمات حقوقية 15 محاولة انتحار خلال أسبوعين فقط في يوليو/تموز الماضي.
وقد دفعت هذه الأوضاع السجناء إلى إضرابات متكررة عن الطعام، وسط انقطاع شبه كامل للتواصل مع العالم الخارجي بعد استبدال إدارة السجن بضباط وصفوا بأنهم أكثر قسوة.
إعادة تدوير التهم واحتجاز إلى ما لا نهاية
أبرز الانتهاكات الممنهجة التي وثقتها منظمات حقوقية ما يُعرف بـ”إعادة تدوير القضايا”، حيث يواجه المعتقلون تهمًا جديدة مع انتهاء فترات حبسهم، ما يمدد احتجازهم لسنوات إضافية دون محاكمات عادلة.
تصف سمر الحسيني، المديرة التنفيذية للمنتدى المصري لحقوق الإنسان، هذه السياسة بأنها “مساومة على الحرية”: “السجناء الجنائيون يُطلق سراحهم بانتهاء المدة، بينما السجناء السياسيون يُعاملون كما لو كانوا رهائن بيد النظام”.
استهداف الأسر والمحيطين
لا يقتصر القمع على المعتقلين أنفسهم، بل يمتد إلى أسرهم. فقد وثقت منظمات حقوقية مداهمات استهدفت عائلات صحفيين حاولوا تغطية أوضاع بدر 3. كما عانى أبناء وبنات قيادات الإخوان المسلمين من الاستهداف المباشر:
أنس البلتاجي، نجل القيادي محمد البلتاجي، قضى 11 عامًا خلف القضبان لمجرد انتماء والده للإخوان.
عائشة خيرت الشاطر، ابنة نائب مرشد الجماعة، حُكم عليها بالسجن 15 عامًا مع زوجها المحامي محمد أبو هريرة، وسط تقارير عن تعرضهما للحبس الانفرادي والتعذيب والإهمال الطبي.
أبعاد نفسية واجتماعية
العزلة القسرية تركت آثارًا عميقة على العائلات. أطفال صغار أصبحوا مراهقين دون أن يروا آباءهم، وأجداد توفوا دون لقاء أحفادهم. يقول أحد أقارب المعتقلين: “هناك أضرار نفسية لا يمكن إصلاحها… هذه السياسة تدمر العائلات جيلاً بعد جيل”.
أرقام وإحصاءات
وفق الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، بلغ إجمالي السجناء في مصر عام 2021 نحو 120 ألفًا، بينهم ما يُقدّر بـ 65 ألف سجين سياسي.
نحو 26 ألفًا منهم على الأقل رهن الحبس الاحتياطي، في انتهاك صارخ لمبدأ العدالة والإجراءات القانونية.
وفي السنوات الماضية، توفي عدد من الشخصيات المعارضة البارزة، بينهم الرئيس الراحل محمد مرسي، نتيجة الإهمال الطبي وظروف الاحتجاز غير الإنسانية.
ومنذ توليه السلطة في 2013، اعتمد الرئيس عبد الفتاح السيسي على استراتيجية “القبضة الحديدية” لإخماد أي معارضة. لكن وفق منظمات دولية مثل العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش، تحولت السجون المصرية إلى أداة لإدارة النظام السياسي، حيث يُستخدم الاعتقال المطوّل وسوء المعاملة كسلاح لإرهاب الخصوم وكسر إرادتهم.
الرابط المختصر https://gulfnews24.net/?p=72570



