السياسة الدولية

ضربة إسرائيل في قطر عبر صواريخ باليستية من البحر الأحمر تحوّل خطير في قواعد الاشتباك

أحدث كشف وكالة أسوشيتد برس عن أن المقاتلات الإسرائيلية أطلقت صواريخ باليستية من البحر الأحمر لاستهداف قادة حماس في الدوحة يوم 9 سبتمبر صدمة واسعة، ليس فقط لأن الضربة وقعت في عاصمة عربية محايدة، بل لأن الأسلوب العسكري المستخدم ينذر بتغيّر نوعي في قواعد الاشتباك الإقليمية.

هذا التحليل يستعرض أبعاد الحدث على المستويات العسكرية والسياسية والأمنية، ويجيب عن سؤال محوري: لماذا قد تكون ضربة الدوحة نقطة فاصلة في مسار الحرب على غزة وفي معادلات أمن الخليج؟

الأسلوب العسكري: صواريخ باليستية تُطلق من الجو

بحسب المسؤولين الأميركيين الذين تحدّثوا لوكالة أسوشيتد برس، نفّذت المقاتلات الإسرائيلية الضربة بأسلوب “خارج الأفق” (Over-the-horizon) عبر صواريخ باليستية مطلَقة من البحر الأحمر.

المزايا التكتيكية: هذا الأسلوب يسمح بتفادي دخول الأجواء السعودية أو أي دولة خليجية أخرى، ما يخفّض التكلفة السياسية لعملية على أراضي دولة ثالثة.

القدرات التقنية: الصواريخ الباليستية ترتفع إلى طبقات الجو العليا أو الفضاء ثم تعود بسرعة تفوق سرعة الصوت عدة مرات، ما يجعل اعتراضها بواسطة بطاريات باتريوت شبه مستحيل. حتى أنظمة أكثر تقدمًا مثل THAAD تتطلب جاهزية قصوى لاعتراضها.

السرعة والمفاجأة: الفترة من الإطلاق إلى الاصطدام لا تتعدى دقائق معدودة، وهو وقت غير كافٍ لرادارات الدفاع الجوي لرصدها والتعامل معها بكفاءة.

الأهداف المعلنة والنتائج الفعلية

قالت إسرائيل إنها استهدفت قادة حماس الذين كانوا يشاركون في مفاوضات بوساطة قطرية حول وقف إطلاق النار.

النتائج المباشرة: مقتل ستة أشخاص في الدوحة، بينهم عنصر أمني قطري، بينما لم تتأكد إصابة القادة الأساسيين المستهدفين.

النتائج غير المباشرة: تقويض مسار الوساطة القطرية التي استمرت أشهر، وإشعال غضب إقليمي ودولي حيال استهداف عاصمة تستضيف أكبر قاعدة أميركية في الشرق الأوسط (قاعدة العديد).

الأبعاد السياسية والاستراتيجية

انعكاسات على قطر: الضربة مثّلت انتهاكًا مباشرًا لسيادة قطر، رغم أنها جاءت من خارج أجوائها وخلقت حالة قلق داخلي وخارجي من أن الدوحة أصبحت مسرحًا لصراع بالوكالة.

كما أن الضربة أعادت للأذهان هجمات سابقة (مثل هجوم إيران على قطر قبل سنوات) وطرحت سؤالًا حول هشاشة المظلة الدفاعية.

الحسابات الإسرائيلية: رسالة ردع مزدوجة أولًا لحماس عبر استهداف قيادتها خارج غزة، وثانيًا لقطر والوسطاء بأن إسرائيل لن تتردد في الضرب حيثما ترى ضرورة.

تجنّب مواجهة مع السعودية: إطلاق الصواريخ من البحر الأحمر سمح بعدم انتهاك الأجواء السعودية، وهو عامل حاسم إذا كانت تل أبيب تأمل في دفع مسار التطبيع.

التداعيات على الولايات المتحدة

واشنطن التي تستضيف قيادتها المركزية في قاعدة العديد فوجئت بالعملية. ورغم أنها أبلغت قطر فور علمها، إلا أن التحذير وصل بعد سقوط الصواريخ، ما أضعف صورة التنسيق الأمني الأميركي–القطري.

وقد وضعت العملية الإدارة الأميركية في مأزق بشأن كيف توفّق بين التزاماتها الأمنية تجاه قطر وبين عدم الرغبة في مواجهة مفتوحة مع إسرائيل؟.

مخاطر التوسّع الإقليمي

أطلق الهجوم الإسرائيلي جرس إنذار في الخليج: إذا كان بالإمكان استهداف الدوحة عبر مسار باليستي “خارج الأفق”، فإن مدنًا أخرى في المنطقة قد تكون عرضة لسيناريو مشابه.

السعودية والإمارات اللتان تراهنان على الانخراط مع إسرائيل في مشاريع أمنية واقتصادية، بات عليهما مواجهة احتمال أن تتحوّل أراضيهما إلى ممر أو حتى مسرح لعمليات مماثلة.

إيران والحوثيون الذين يستخدمون تكتيكات باليستية بالفعل، قد يستغلون هذا التطور لتبرير توسيع نطاق ضرباتهم البعيدة المدى.

أبعاد قانونية وأخلاقية

تثير الضربة الإسرائيلية جدلًا حول شرعية استخدام القوة في أراضي دولة ليست طرفًا مباشرًا في النزاع.

مبدأ الدفاع عن النفس وفق المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة لا يبرر انتهاك سيادة دولة تستضيف مفاوضات سلام.

من منظور إنساني، استهداف عاصمة مدنية آمنة يخرق قواعد القانون الدولي التي تحمي المدنيين والأعيان غير العسكرية.

وبالمحصلة فإن ضربة الدوحة بالصواريخ الباليستية من البحر الأحمر ليست مجرد عملية عسكرية نوعية، بل تغيير جذري في معادلة الردع. هي رسالة أن إسرائيل مستعدة لتوسيع ميدان الحرب حتى العواصم الخليجية، ولو على حساب نسف جهود التسوية والوساطة.

لكن الكلفة الاستراتيجية واضحة: إدانة دولية متصاعدة، إحراج أميركي، وغضب خليجي مكتوم، فضلًا عن تقويض فرص التطبيع مع السعودية.

ويرى مراقبون أن إدخال “الخيار الباليستي” في قلب الخليج يفتح بابًا على مرحلة أكثر خطورة، حيث لم تعد أي عاصمة في مأمن من صواريخ تطلق من خارج الأفق، لتعيد تشكيل صورة الأمن الإقليمي من جديد.

الرابط المختصر https://gulfnews24.net/?p=72757

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى