دول الخليج في مواجهة غير مسبوقة: المنطقة تتوحد للرد على هجوم إسرائيل على قطر
لعقود طويلة، شكّلت دول الخليج العربي صورة لنفسها كجزر استقرار في محيط مضطرب، مستندة إلى ثرواتها الهائلة واقتصاداتها الديناميكية.
غير أن هذه الصورة تعرضت لاهتزاز كبير هذا العام بعد هجومين مباشرَين على أراضٍ خليجية: الأول من إيران باستهداف قاعدة أمريكية في قطر، والثاني من إسرائيل حين قصفت العاصمة الدوحة في التاسع من سبتمبر مستهدفةً قيادات من حركة حماس.
وبحسب شبكة CNN الأمريكية فقد دفعت هذه التطورات دول الخليج إلى مراجعة حساباتها الدفاعية والدبلوماسية، والبحث عن رد جماعي يردع أي تكرار مماثل.
وحدة خليجية غير معتادة
في مشهد لافت، تحركت الدول الخليجية سريعًا للتعبير عن التضامن مع قطر. الإمارات، التي تعد الأقرب إلى إسرائيل بين دول المنطقة منذ اتفاقات أبراهام عام 2020، كانت أول الواصلين: الرئيس محمد بن زايد وصل إلى الدوحة بعد أقل من 24 ساعة من الضربة، وجعل منها محطة أولى في جولة خليجية شملت البحرين وعُمان.
وأعقب ذلك استدعاء أبوظبي لدبلوماسي إسرائيلي للاحتجاج على ما وصفته بـ”الهجوم الصارخ والجبان”.
وأكد رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، لقناة CNN أن الرد سيكون “جماعيًا”، وأن قرارًا حاسمًا سيُعلن في قمة عربية وإسلامية تعقد في الدوحة نهاية الأسبوع الجاري.
ويرى المحللون أن الخليج يدرس خطوات دبلوماسية قد تغيّر طبيعة العلاقة مع إسرائيل. من بين السيناريوهات خفض مستوى العلاقات الإماراتية-الإسرائيلية أو تجميد بعض بنود اتفاقات أبراهام.
وبالفعل، أرسلت الإمارات إشارات انزعاج واضحة من تل أبيب قبل الهجوم، إذ حذرت ممثلتها في الأمم المتحدة لانا نسيبة من أن أي خطة إسرائيلية لضم الضفة الغربية ستكون “خطًا أحمر” يقوّض روح التطبيع.
كما دفعت قطر نحو تحرك قانوني، ونجحت في استصدار بيان بالإجماع من مجلس الأمن يدين الهجوم، وإن تجنب تسمية إسرائيل مباشرة.
وهذه الخطوات قد تتوسع لتشمل دعمًا ماليًا وسياسيًا للقضايا القانونية المرفوعة ضد إسرائيل في المحاكم الدولية، وهو مجال كانت دول الخليج مترددة في الانخراط فيه سابقًا.
الأمن الخليجي الجماعي
رغم الانقسامات التي طبعت العلاقات الخليجية في السنوات الماضية، تظل دول المنطقة مرتبطة بمعاهدات دفاع مشترك مثل “درع الجزيرة”، الذي تأسس في الثمانينيات لردع أي اعتداء خارجي.
حتى الآن، ظل هذا الترتيب حبرًا على ورق إلى حد كبير، لكن هجوم إسرائيل على الدوحة أعاد النقاش حول تفعيل القوة وتطوير قيادة عسكرية موحدة، إلى جانب دمج أنظمة الدفاع الجوي والصاروخي.
ويرى عبد العزيز صقر، رئيس مركز الخليج للأبحاث، أن هذه اللحظة قد تدفع نحو حوار “جدي وهيكلي” مع الولايات المتحدة بشأن شروط الشراكة الأمنية، بما يتجاوز شراء السلاح إلى ضمانات دفاعية واضحة ومسؤولية أكبر من واشنطن في حماية شركائها.
الاعتماد على واشنطن… وتحدياته
معظم الدول الخليجية تعتمد على المظلة الأمنية الأمريكية وتستضيف قواعد عسكرية كبرى، لكن الهجوم الإسرائيلي في الدوحة أظهر ثغرة خطيرة: التهديد هذه المرة جاء من أقرب حليف لواشنطن نفسها.
هذا يضع إدارة ترامب في موقف حساس، إذ تُتَّهم سياستها الأمنية بتوفير غطاء لإسرائيل على حساب أمن بقية الحلفاء. المحللون يرون أن دول الخليج قد تبدأ في تنويع شراكاتها الدفاعية أو على الأقل رفع سقف مطالبها من الولايات المتحدة.
وإلى جانب المسارات السياسية والعسكرية، تملك دول الخليج ورقة ضغط اقتصادية هائلة. فصناديقها السيادية تدير تريليونات الدولارات وتستثمر في أسواق حيوية، بما فيها الولايات المتحدة وأوروبا.
ويرى حسن الحسن، الخبير في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، أن بإمكان دول الخليج استخدام نفوذها المالي لمقاطعة شركات كبرى مرتبطة بالاقتصاد الإسرائيلي أو إعادة توجيه استثماراتها إلى أسواق بديلة.
خلال زيارة ترامب للمنطقة، تعهدت السعودية والإمارات وقطر باستثمارات مشتركة تقارب ثلاثة تريليونات دولار في الاقتصاد الأمريكي خلال العقد المقبل.
وقد حذر محللون من أن استمرار انعدام الأمن قد يدفع الخليج لإعادة النظر في هذه الالتزامات، ما يضيف ضغطًا غير مباشر على واشنطن لمراجعة سياستها تجاه إسرائيل.
ورغم موجة الغضب الخليجية، ثمة حدود لما يمكن أن تذهب إليه الدول في مواجهة إسرائيل. فالإمارات مثلًا ترى في التكنولوجيا الإسرائيلية قيمة استراتيجية يصعب التخلي عنها بسهولة.
أما السعودية، التي تضع شرط الدولة الفلسطينية لأي تطبيع رسمي، فقد تجد نفسها أمام فرصة لتعزيز موقفها كقائد للتوجه العربي الرافض للعدوان. الكويت وسلطنة عُمان من جانبهما طالما تبنتا خطًا متحفظًا حيال إسرائيل، وقد يدفعهما هجوم الدوحة لتشديد مواقفهما أكثر.
الرابط المختصر https://gulfnews24.net/?p=72713



