بعد خمس سنوات من الازدهار.. سوق العقارات في دبي يواجه أولى مؤشرات التباطؤ
بدأت سوق العقارات في دبي في الإمارات العربية المتحدة تُظهر علامات واضحة على التباطؤ بعد موجة صعود غير مسبوقة استمرت ما يقرب من خمس سنوات.
وأوردت صحيفة فايننشال تايمز أبينما كانت الأسعار تحقق زيادات شهرية متتالية منذ منتصف عام 2019، يحذر خبراء ومؤسسات تصنيف ائتماني من أن الطفرة الحالية تقترب من نهايتها، مع دخول آلاف الوحدات الجديدة إلى السوق وفتور الحماس لدى المستثمرين المضاربين.
وبحسب بيانات شركة «رايدن»، فقد سجلت دبي حتى سبتمبر الحالي 57 شهرًا متتاليًا من الارتفاعات السعرية، لتقترب من كسر الرقم القياسي التاريخي لأطول موجة صعود في القطاع العقاري.
هذه الزيادة عززتها مبيعات الوحدات «قيد الإنشاء» (أوف بلان) والفيلات الفاخرة التي اجتذبت المستثمرين الأثرياء، إضافة إلى الطلب المتزايد من الأسر الميسورة.
لكن ما بدا أنه سباق لا نهاية له، بدأ الآن يتعرض لاختبارات حقيقية، خصوصًا في الشريحة الوسطى والدنيا من السوق حيث يتكدس المعروض الجديد.
تحذيرات وكالات التصنيف
أطلقت وكالات التصنيف الائتماني الكبرى إشارات إنذار، إذ توقعت «موديز» أن يؤدي اكتمال نحو 150 ألف وحدة سكنية بين 2025 و2027 إلى «كبح موجة ارتفاع الأسعار الحادة» وربما بدء تصحيح معتدل في 2026.
أما «فيتش» فكانت أكثر وضوحًا حين رجحت انخفاض الأسعار بنسبة 15 في المئة خلال السنوات المقبلة.
ويعكس هذا التوقع قلقًا متناميًا من فائض المعروض، إذ أشارت شركة «بروبرتي مونيتور» إلى دخول 93 ألف وحدة جديدة للسوق منذ بداية العام الجاري، 95 في المئة منها شقق سكنية، ما يجعل السوق عرضة لتراجع الطلب على هذا النوع من العقارات.
مضاربة خاسرة
القطاع الأكثر تأثرًا حاليًا هو المضاربة السريعة أو ما يُعرف بـ«الفلِبّينغ» — أي شراء وحدات غير مكتملة وإعادة بيعها بسرعة لتحقيق ربح.
وبحسب «بروبرتي مونيتور»، فقد انخفضت إعادة بيع هذه الوحدات بشكل كبير، لتهبط من نحو ثلث السوق إلى 20 في المئة فقط في يوليو.
وقد أكد أحد المستثمرين الذين طرحوا شقة غير مكتملة في جزيرة النخلة بدبي أنه لم يتلق أي عرض جدي منذ ثلاثة أشهر، في مؤشر على فقدان هذا القطاع جاذبيته.
ويقول أليك سميث، رئيس المبيعات السكنية في «سافيلز دبي»، إن كثيرًا من المستثمرين «باعهم الوسطاء وعدًا زائفًا بالمال السهل». ويرى أن إعادة البيع تصبح مجدية فقط بعد اكتمال البناء، إذ يفضل المشترون العقارات الجاهزة للسكن على الوعود الورقية.
السوق الفاخرة أكثر صمودًا
على الجانب الآخر، لا يبدو أن سوق الفيلات والمنازل الفاخرة يعاني التحديات ذاتها. كريس وايتهيد، الشريك الإداري في «دبي سوذبيز إنترناشونال ريالتي»، يرى أن «الطرف الأعلى من السوق» سيبقى محصنًا نسبيًا أمام التباطؤ.
ويعزو ذلك إلى الطلب المستمر من الأثرياء الباحثين عن عقارات فاخرة في مدينة تقدم بيئة ضريبية منخفضة وتواصل اجتذاب الأجانب.
لكن وايتهيد حذّر من أن «الخطر يكمن في الطرف الأدنى من السوق»، حيث يتزايد المعروض بشكل يصعب استيعابه.
ويحذر بعض الوسطاء من المبالغة في التشاؤم، معتبرين أن التباطؤ قد يكون جزئيًا وموسميًا، خصوصًا أن السوق تشهد عادة انخفاضًا في النشاط خلال أشهر الصيف، مع سفر كثير من السكان الميسورين للخارج.
كما يرى مستثمرون دوليون أن السوق أكثر مرونة اليوم بفضل إصلاحات تنظيمية جرى تطبيقها منذ الأزمة المالية العالمية عام 2008، بما في ذلك تشديد القوانين الخاصة بعمليات البيع على الخارطة وتعزيز الشفافية في التقييمات.
طفرة مدفوعة بالاستثمار الخارجي
يعود جزء من الارتفاعات القياسية في الأسعار خلال السنوات الخمس الماضية إلى تدفق مستثمرين أجانب، خاصة من أوروبا وروسيا والهند، بحثًا عن فرص في مدينة تُعد أقل تكلفة من العواصم الغربية الكبرى.
كما ساهمت الزيادة السكانية السريعة في دبي، التي تعززت بقدرتها على استقطاب الكفاءات عبر برامج الإقامة الذهبية، في تعزيز الطلب.
لكن أسعار العقارات اليوم باتت أعلى بنسبة 25 في المئة لكل قدم مربعة من ذروتها السابقة عام 2014 (قبل تعديل التضخم)، ما يثير مخاوف من أن السوق قد تكون وصلت إلى حدود قدرتها الاستيعابية.
ورغم التحذيرات، لا يتوقع المحللون سيناريو انهيار مشابه لأزمة 2009، حين فقدت العقارات في دبي نصف قيمتها تقريبًا. بل يرجحون «تصحيحًا معتدلًا» يخفف من وتيرة النمو المفرط، مع بقاء السوق جذابة للمستثمرين على المدى الطويل.
فالمزيج بين البنية التحتية المتطورة، والسياسات الضريبية المرنة، والانفتاح على المستثمرين الأجانب، يمنح دبي قاعدة صلبة، حتى وإن كانت بحاجة اليوم إلى امتصاص فائض المعروض وضبط توقعات المستثمرين.
الرابط المختصر https://gulfnews24.net/?p=72773



