السعودية تفاجئ الأسواق برفع أسعار النفط أكثر من المتوقع
في خطوة فاجأت الأسواق العالمية وأكدت ثقة المملكة العربية السعودية في متانة سوق النفط، أعلنت شركة أرامكو، عملاق النفط المملوك للدولة، عن رفع أسعار الخام الرئيسي المخصص للتصدير إلى آسيا بأكثر من التوقعات لشهر أغسطس المقبل.
وبحسب نشرة الأسعار التي اطّلعت عليها وكالة بلومبيرغ، قررت أرامكو زيادة سعر خام “العربي الخفيف” بمقدار دولار واحد للبرميل، ليصبح أعلى بـ2.20 دولار من السعر المرجعي الإقليمي الذي يُعرف عادة بسلة أسعار خامات دبي وعمان المستخدمة في تسعير المشتريات الآسيوية.
والزيادة التي أعلنتها أرامكو تجاوزت توقعات معظم المتعاملين في السوق. فقد أشار استطلاع أجرته بلومبيرغ شمل تجاراً ومسؤولين في مصافي تكرير آسيوية إلى أن التوقعات كانت تميل إلى رفع السعر بنحو 65 سنتاً فقط للبرميل.
لكن الزيادة التي بلغت دولاراً كاملاً فاقت التقديرات، ما يعكس قراءة سعودية أكثر تفاؤلاً لقوة السوق واستيعابها أي زيادات محتملة في الإمدادات.
وقال ثلاثة مسؤولين في مصافٍ آسيوية للوكالة إنهم أبدوا دهشتهم من قرار أرامكو رفع السعر بهذا القدر، معتبرين أن الخطوة قد تُضيف أعباءً على شركات التكرير في آسيا، التي تعد السوق الأهم لصادرات النفط السعودية.
إلا أنهم أشاروا في الوقت نفسه إلى أن الأسعار الحالية لا تزال ضمن نطاق مقبول نسبياً نظراً إلى مؤشرات التعافي الاقتصادي في عدة دول آسيوية، وفي مقدمتها الصين والهند.
رسالة ثقة من الرياض
تأتي هذه الخطوة في وقت تستعد فيه أسواق النفط لاستيعاب كميات إضافية من الخام نتيجة اتفاق تحالف “أوبك+”، الذي كانت السعودية لاعباً محورياً فيه منذ سنوات.
ففي الشهر الماضي، أعلنت “أوبك+” خططاً لتخفيف تدريجي لقيود الإنتاج التي فرضتها سابقاً لحماية الأسعار وسط اضطرابات السوق الناتجة عن جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية.
ويرى مراقبون أن السعودية، من خلال هذه الزيادة المفاجئة، توجّه رسالة ثقة إلى السوق بأنها لا ترى خطراً كبيراً من تراجع الأسعار رغم توقعات ارتفاع الإمدادات خلال النصف الثاني من العام الجاري.
وقال محلل الطاقة في بنك “ستاندرد تشارترد”، بول هورسيل، في تصريح لبلومبيرغ: “رفع السعودية للأسعار بهذا الحجم إشارة واضحة على أنهم يرون أن الطلب قوي بما يكفي لامتصاص أي زيادات في الإمدادات، خاصة مع مؤشرات انتعاش اقتصادي في الصين وتحسن في معدلات السفر والاستهلاك.”
الصين والهند في صدارة المشهد
تظل آسيا هي الوجهة الرئيسية للنفط السعودي، إذ تستحوذ الصين وحدها على حصة كبيرة من الصادرات السعودية، تليها الهند ودول أخرى في شرق وجنوب شرق آسيا.
وتشير بيانات الصناعة إلى أن الطلب الآسيوي يشهد تعافياً ملحوظاً، مدفوعاً بتحسن النشاط الصناعي وزيادة حركة النقل الجوي والبري، ما يعزز مبررات الرياض في رفع الأسعار.
ورغم ذلك، يواجه المشترون في آسيا تحديات أخرى، مثل ضعف هوامش التكرير، وارتفاع تكاليف الاقتراض، إضافة إلى القلق المستمر من تباطؤ اقتصادي عالمي قد يضغط على أسعار الطاقة لاحقاً.
تحالف “أوبك+” تحت المجهر
يترقب المتعاملون في السوق تطورات إضافية من تحالف “أوبك+” خلال الأسابيع المقبلة.
ففي الوقت الذي تسعى فيه بعض الدول الأعضاء إلى زيادة إنتاجها للاستفادة من أسعار النفط الحالية، تحاول السعودية الحفاظ على توازن دقيق بين دعم الأسعار وحماية حصتها السوقية في آسيا.
وتشير التقديرات إلى أن السعودية هي الأكثر قدرة ضمن أعضاء التحالف على تعديل إنتاجها صعوداً أو هبوطاً استجابةً لتحركات السوق، وهو ما يمنحها نفوذاً كبيراً في رسم اتجاه الأسعار العالمية.
ومع أن الخطوة السعودية الأخيرة تُعد مفاجئة من حيث الحجم، فإنها في الوقت ذاته تعكس استراتيجيتها المستمرة لتعظيم العوائد النفطية من جهة، وضمان استقرار السوق العالمية من جهة أخرى.
ومع استمرار التوترات الجيوسياسية والعوامل الاقتصادية المتشابكة، يبقى سوق النفط محط أنظار المستثمرين وصناع القرار حول العالم، في انتظار خطوات السعودية وتحالف “أوبك+” المقبلة التي ستحدد بوصلة الأسعار خلال النصف الثاني من عام 2024.
الرابط المختصر https://gulfnews24.net/?p=71870



