السعودية تحت مجهر الانتقادات الحقوقية بعد بيانات “الغيمينر” عن الإعدامات
كشفت منصة الغيمينر الأمريكية المتخصصة في رصد وتحليل السياسات الأمنية والقضائية، بيانات مثيرة للجدل حول إجمالي الإعدامات في السعودية منذ مطلع العام 2025.
ووفق التقرير، فإن نحو 70% من هذه الإعدامات ارتبطت بجرائم مخدرات غير عنيفة، معظم ضحاياها من العمالة الأجنبية، وغالبًا ما يُحرمون من حقهم في الدفاع القانوني أو الحصول على مترجم ودعم قنصلي.
وتضيف هذه الأرقام والتفاصيل بعدًا جديدًا للنقاش الدائر حول سجل حقوق الإنسان في المملكة وتطرح تساؤلات بشأن ازدواجية الخطاب الرسمي بين الداخل والخارج.
70% من الإعدامات: جرائم غير عنيفة
بحسب ما نشرته منصة الغيمينر، فإن الغالبية الساحقة من الإعدامات التي نُفذت في السعودية خلال 2025 لم ترتبط بجرائم قتل عمد أو أعمال عنف، بل بملفات مرتبطة بحيازة أو تهريب المخدرات.
ويشير التقرير إلى أن الضحايا في معظمهم أجانب قدموا إلى المملكة كعمالة وافدة، ليجدوا أنفسهم أمام محاكمات سريعة تفتقر لمعايير العدالة.
غالبًا ما يُحرم هؤلاء من: توكيل محامٍ مستقل يدافع عنهم، خدمات الترجمة الضرورية لفهم طبيعة التهم أو الدفاع عنها والتواصل القنصلي مع بلدانهم الأصلية.
وتقول المنصة إن هذا الحرمان المنهجي يجعل فرص الحصول على محاكمة عادلة شبه معدومة، ويفتح الباب أمام انتهاكات جسيمة لحقوق المتهمين.
قضية جلال لباد: الرمز الأوضح
من بين الأسماء التي سلطت “الغيمينر” الضوء عليها، الشاب السعودي جلال لباد الذي أعدمته السلطات في أغسطس/آب الجاري. ووفق المنصة، فإن لباد اعتُقل وتعرض للتعذيب بسبب مشاركته في احتجاجات سلمية جرت عامي 2011 و2012 في المنطقة الشرقية.
وأشار التقرير إلى أن جلال كان “يدافع عن الحقوق والحريات نفسها التي تدّعي حكومته الآن أنها تدافع عنها للشعب الفلسطيني”، في إشارة واضحة إلى التناقض في الخطاب الرسمي السعودي الذي يُبرز موقفًا داعمًا للقضية الفلسطينية في المحافل الدولية، بينما يقمع بشدة أي تعبير سلمي عن الرأي داخل المملكة.
وتتناغم هذه البيانات مع تقارير صادرة عن منظمات دولية كـالعفو الدولية وهيومن رايتس ووتش، والتي سبق أن اتهمت الرياض باستخدام عقوبة الإعدام كأداة سياسية وأمنية.
وتؤكد تلك المنظمات أن تطبيق الإعدام على جرائم غير عنيفة يتعارض مع المواثيق الدولية التي تقصر هذه العقوبة على “أخطر الجرائم” مثل القتل العمد.
إلى جانب ذلك، ترى منظمات حقوقية أن استهداف العمالة الأجنبية يعكس خللاً هيكليًا في نظام العدالة السعودي، حيث يُنظر إلى الأجانب على أنهم الحلقة الأضعف، ما يجعلهم أكثر عرضة للأحكام القاسية دون ضمانات.
تناقض الخطاب الرسمي
بينما تسعى السعودية إلى تقديم نفسها كحليف دولي في الدفاع عن الحقوق، خصوصًا في القضايا الإقليمية مثل دعم الفلسطينيين، فإن سجلها الداخلي يطرح تساؤلات محرجة.
ولفتت المنصة الأمريكية الانتباه إلى هذا التناقض، معتبرة أن “الرياض تستثمر في خطاب خارجي ناعم لتحسين صورتها، لكنها في الداخل تعتمد على القمع الممنهج لضمان السيطرة السياسية والأمنية”.
أبعاد سياسية وأمنية
يرى المراقبون أن كثافة الإعدامات في قضايا المخدرات قد تحمل أبعادًا أبعد من مجرد تطبيق القانون:
رسالة ردع داخلية: تهدف السلطات إلى تكريس صورة مشددة للنظام القضائي، بما يردع أي محاولة للخروج عن الطاعة.
التغطية على القضايا السياسية: عبر التركيز على جرائم المخدرات، قد تسعى الحكومة إلى إبعاد الأنظار عن الإعدامات المرتبطة بالاحتجاجات أو النشاط السياسي السلمي.
إعادة إنتاج السيطرة: في ظل الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية التي يقودها ولي العهد محمد بن سلمان، يبقى الحزم الأمني هو الأداة الأساسية لضمان عدم اهتزاز الداخل.
انعكاسات على صورة المملكة
إلى جانب الجدل الحقوقي، تطرح هذه التطورات أسئلة حول صورة السعودية عالميًا، خصوصًا مع سعيها إلى جذب الاستثمارات عبر مشاريع كبرى مثل نيوم والانفتاح السياحي.
ففي حين تعرض الحكومة نفسها كدولة “حديثة ومنفتحة”، فإن تصاعد الإعدامات والانتقادات الحقوقية قد يُعيق حملات التلميع الدولي ويؤثر على علاقاتها مع بعض الشركاء الغربيين.
وعليه تكشف بيانات منصة “الغيمينر” عن واقع مقلق في السعودية، حيث تتركز معظم الإعدامات على جرائم غير عنيفة وغالبًا ما تطال الأجانب المحرومين من أبسط حقوق الدفاع. ومع قضية جلال لباد، يتجلى التناقض بين خطاب الحكومة الخارجي الداعي إلى العدالة والحرية، وبين سياساتها الداخلية التي تُوظف الإعدام أداة للقمع والسيطرة.
وبينما تستمر المملكة في الترويج لمشاريعها المستقبلية الطموحة، فإن هذه الأرقام تذكّر العالم بأن التحدي الحقوقي لا يزال قائمًا، وأن أي حديث عن “نهضة سعودية” يبقى ناقصًا إذا لم يترافق مع إصلاحات حقيقية تضمن الكرامة والعدالة لجميع من يعيشون على أرضها.
الرابط المختصر https://gulfnews24.net/?p=72578



