أخبار الخليج

الخليج كمرآة للهويات المتقاطعة: المواطن والوافد وعديمو الجنسية بين التحدي والفرص

تعيش دول الخليج العربي واقعًا اجتماعيًا فريدًا يتمثل في التقاء هويات متعددة على أرض واحدة. فالمواطنون الأصليون، والوافدون من شتى أنحاء العالم، والأجيال المقيمة منذ عقود، وصولًا إلى فئة عديمي الجنسية أو ما يُعرف بالـ”بدون”، جميعهم يشكلون فسيفساء معقدة من الهويات الثقافية والاجتماعية والعرقية.

وقال تحليل صدر عن المركز الخليجي للدراسات والنشر إن هذه التعددية تمثل ثروة ثقافية لا يستهان بها، لكنها تطرح تحديات كبيرة للهوية الوطنية ولإدارة القوانين المتعلقة بالمواطنة والجنسية.

وتُعرف الهوية بأنها مجموعة السمات التي تميز الفرد عن غيره، وترتبط ارتباطًا وثيقًا بالهوية الجماعية المرتكزة على اللغة والتاريخ والمكون الديني المشترك.

ففي الخليج، يبلغ عدد السكان نحو 61 مليون نسمة وفق إحصاءات عام 2024، تتوزع بينهم السعودية بأكثر من 36 مليون نسمة، والإمارات بنحو 9 ملايين، والكويت بـ4.2 ملايين، وعمان بـ4.5 ملايين، وقطر بنحو 2.6 مليون، والبحرين بنحو 1.47 مليون نسمة.

ويشكل الوافدون نسبة مهمة من هذه التركيبة السكانية، حيث تصل نسبتهم في الإمارات إلى نحو 90%، بما يعكس الاعتماد الكبير على العمالة الأجنبية في مختلف القطاعات الاقتصادية والاجتماعية.

ومن أبرز التحديات في الخليج مسألة “الهوية الخليجية”، التي ترتكز على السمات الثقافية المشتركة بين دول المجلس، بما يشمل التاريخ المشترك، الروابط القبلية، اللهجات والعادات المتقاربة.

وقد شهدت هذه الهوية تحولات كبيرة مع التحولات الاقتصادية والاجتماعية في القرن الماضي، بدءًا من التحولات من البداوة إلى المدنية، مرورًا بموجات الهجرة الخارجية بعد اكتشاف النفط، حيث جلبت العمالة الهندية والإيرانية أولى التأثيرات الثقافية المتعددة، تلتها موجات من الدول العربية، مثل مصر وفلسطين والأردن والسودان.

ووسط هذا التنوع، ظهر مفهوم المواطنة، ساعيًا إلى تجاوز الانتماءات القبلية والمذهبية، لكنه اصطدم بقوانين تجنيس صارمة تحدد الجنسية وفق رابطة الدم أو الأوامر العليا، ما يجعل الأجيال الجديدة من المقيمين في الخليج تواجه أزمة هوية: فهي مرتبطة بالبلد الذي ولدت فيه أو نشأت فيه، لكنها محرومة من الجنسية الكاملة.

وتبرز في هذا السياق قضية “البدون”، وهي فئة من الأشخاص يعيشون في دولة ما دون جنسية محددة. فقد بدأ استخدام هذا المصطلح في الكويت عام 1956، ثم انتقل إلى بقية دول الخليج لوصف المقيمين الذين لم تستكمل إثبات جنسيتهم أو لم يُدرجوا في المسوح الرسمية.

ويقدر عدد البدون بين 170 ألفًا و350 ألفًا، معظمهم في الكويت والسعودية، وقد تعرضوا تاريخيًا لحرمان من الحقوق الأساسية، رغم مساهمتهم في الجيش والأمن خلال القرن الماضي.

وتختلف قوانين التجنيس في دول الخليج بشكل كبير، ما يعكس توترات بين الحفاظ على الهوية الوطنية واستقطاب الكفاءات الأجنبية.

فالإمارات تمنح الجنسية للأجانب أصحاب المهارات الخاصة مع السماح لهم بالاحتفاظ بجنسيتهم الأصلية، فيما السعودية تطبق نظام النقاط، ويسمح بتجنيس أبناء المواطنات ضمن شروط محددة.

أما قطر وعمان، فتقيّدان منح الجنسية للأبناء القادمين من زوجات غير مواطنات، مع منحهم إقامة دائمة وحقوقًا محدودة. وقد شهدت الكويت تعديلات صارمة منذ 2024 أدت إلى سحب الجنسية عن عشرات الآلاف، أغلبهم نساء، لأسباب متعددة بينها الزواج أو ازدواجية الجنسية أو الاكتساب بالاحتيال.

وعلى صعيد آخر، منح التجنيس الرياضي بعدًا أكثر مرونة، حيث تسمح دول مثل الإمارات والسعودية وقطر بتجنيس لاعبين أجانب لتعزيز المنتخبات الوطنية، ما يظهر أن الحاجة إلى الكفاءات المميزة قادرة أحيانًا على تجاوز القيود التقليدية على الجنسية.

ويبقى التحدي الأكبر أمام دول الخليج هو التوازن بين الحفاظ على الهوية الوطنية وبين الاستفادة من التعددية البشرية والثقافية. فالوافدون أصبحوا جزءًا لا يتجزأ من البنية السكانية والاجتماعية، بينما قضية البدون والأجيال المقيمة دون جنسية تطرح تحديات حقوقية وقانونية كبيرة.

ومع استمرار هذا التداخل السكاني، تصبح دول الخليج مرآة متعددة الجنسيات، حيث تتقاطع الهويات الوطنية مع الهويات الوافدة، وتتعامل المجتمعات مع تنوع لغوي وديني وثقافي واسع.

ويشير الواقع الخليجي إلى أن الهوية في المنطقة لم تعد مسألة بيولوجية أو محلية بحتة، بل أصبحت ديناميكية، تتشكل بفعل التعدد الثقافي والاجتماعي والاقتصادي، ما يجعل من الخليج مجتمعًا كوسموبوليتية حقيقية، تحتاج إلى سياسات دقيقة للحفاظ على الهوية الوطنية دون تجاهل الثروة البشرية المتنوعة التي تشكل جزءًا من مستقبل المنطقة.

الرابط المختصر https://gulfnews24.net/?p=73086

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى