أوروبا تعيد النظر في اتفاق التجارة مع الإمارات على خلفية تهريب الأسلحة إلى السودان
تتعرض العلاقات التجارية بين الاتحاد الأوروبي والإمارات لهزة غير مسبوقة، بعد تصاعد الاتهامات الموجهة لأبوظبي بالضلوع في نقل أسلحة أوروبية الصنع إلى قوات الدعم السريع السودانية، الميليشيا المتهمة بارتكاب جرائم حرب واسعة.
وبينما تنفي الإمارات هذه المزاعم، تتنامى الدعوات داخل البرلمان الأوروبي لمحاسبة أبوظبي ووقف مفاوضات اتفاق التجارة الحرة معها.
ويناقش أعضاء البرلمان الأوروبي هذا الأسبوع في ستراسبورغ إمكانية الدعوة إلى تجميد كامل لمفاوضات اتفاق التجارة الحرة مع الإمارات، بعد تقارير أممية وحقوقية تشير إلى أن أسلحة أوروبية ظهرت في أيدي قوات الدعم السريع عبر مسار غير مباشر يمرّ عبر أبوظبي.
وقد عثر فريق خبراء تابع للأمم المتحدة على أسلحة أوروبية ضمن قوافل إمداد لقوات الدعم السريع، فيما وثقت هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية مسارًا واضحًا لإعادة بيع أسلحة أوروبية المنشأ عبر الإمارات لصالح الميليشيا السودانية.
وقالت النائب الهولندية في البرلمان الأوروبي ماريت مي: «سنطالب المفوضية الأوروبية بوقف مفاوضات التجارة مع الإمارات طالما تستمر هذه الاتهامات الموثقة بعبور الأسلحة عبرها إلى قوات الدعم السريع».
قوات الدعم السريع: سجل دموي وإبادة صامتة
تتهم قوات الدعم السريع بارتكاب فظائع ممنهجة في السودان، شملت الاغتصاب الجماعي، التجويع، التطهير العرقي، والقتل العشوائي للمدنيين، خاصة خلال حصار مدينة الفاشر.
وقد أعلنت المحكمة الجنائية الدولية فتح تحقيق في الانتهاكات التي تقول الأمم المتحدة إنها قد ترقى إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
ورغم خطورة الأدلة، تصر الإمارات على نفي تورطها في أي خرق لحظر الأسلحة المفروض على السودان من مجلس الأمن.
الاتحاد أوروبي التحت الضغط
تأتي الأزمة في وقت يسعى فيه الاتحاد الأوروبي لتسريع شبكة اتفاقياته التجارية حول العالم، في ظل اضطرابات العلاقة مع الولايات المتحدة بعد سياسات الرسوم الجمركية للرئيس ترامب. وكان من المخطط إنهاء المفاوضات مع الإمارات بحلول نهاية 2025.
لكن تورط أبوظبي في تسليح طرف من أكثر النزاعات دموية في العالم يضع الاتحاد أمام اختبار صعب: هل يقدّم مبادئه أم مصالحه التجارية؟
وبهذا الصدد عقب النائب الليبرالي باري أندروز: «لدينا نفوذ حقيقي على الإمارات… ويمكن استخدام المفاوضات التجارية كأداة ضغط لوقف تدفق السلاح».
أما النائبة اليسارية الفنلندية ميرجا كيلونن فذهبت أبعد من ذلك: «يجب قطع الدعم الخارجي للصراع فورًا عبر عقوبات موجهة وحظر أسلحة. غضّ الطرف عن من يموّل هذه الحرب خيانة للقيم الأوروبية».
أدلة أممية: أسلحة أوروبية في معاقل الدعم السريع
أطلقت الأمم المتحدة في أبريل تحقيقًا واسعًا في مصادر السلاح في السودان بعد ظهور أرقام تسلسلية لأسلحة يمكن تتبعها إلى شركات أوروبية.
وقال السفير السوداني لدى الاتحاد الأوروبي، عبد الباقي كبير، في أكتوبر: إن «ما صودر في ساحة المعركة يتضمن بنادق وذخائر مرتبطة بدول أعضاء في الاتحاد الأوروبي».
والحرب الأهلية السودانية، التي تدور بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ 2023، أنتجت واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية عالميًا حيث 13 مليون نازح وعشرات الآلاف من القتلى وسط انهيار كامل للخدمات الأساسية.
وأكدت منظمة العفو الدولية دخول أسلحة من الصين وروسيا وصربيا وتركيا واليمن، لكن الاتهامات الأوروبية تتركز حاليًا على الإمارات باعتبارها المحطة المركزية لإعادة تدوير السلاح ووصوله إلى قوات الدعم السريع.
الهجرة… ورقة ضغط إضافية في المشهد الأوروبي
يحذر مشرعون أوروبيون من أن استمرار الحرب سيدفع بموجة لجوء جديدة نحو أوروبا، في وقت بدأت فيه مجموعات من السودانيين التوجه نحو ليبيا لعبور المتوسط.
لكن منظمة العفو الدولية انتقدت توظيف ملف الهجرة مجددًا، ودعت إلى التركيز على وقف الانتهاكات في السودان لا استثمار معاناة المدنيين سياسيًا.
ويجري تمرير مشروع قرار داخل البرلمان الأوروبي يدعو إلى زيادة المساعدات الإنسانية للسودان، وتشديد الرقابة على تجارة المعادن والذهب التي تستخدم عائداتها في تمويل الميليشيات.
ورغم أن القرار غير ملزم قانونيًا، إلا أنه يجسد تحولًا ملحوظًا في موقف أوروبا تجاه الإمارات، التي تواجه اليوم واحدة من أبرز فضائحها الدولية الأخيرة باتهامات بأنها بوابة خلفية لتهريب السلاح إلى أكثر النزاعات وحشية في أفريقيا.
وإذا تصاعدت الضغوط داخل البرلمان، قد تجد أبوظبي نفسها أمام خسارة اتفاق تجاري كانت تراهن عليه اقتصاديًا وسياسيًا — وخسارة صورتها الدولية كـ”شريك موثوق” في المنطقة.
الرابط المختصر https://gulfnews24.net/?p=73152



