أخبار الخليج

تضاعُف العجز في موازنة السعودية: إنفاق طموح تحت ضغط أسعار النفط

كشفت تقديرات السعودية المحدثة في 30 سبتمبر عن مسارٍ مالي أكثر تشددًا مما كان متوقعًا: عجزٌ قدره 65.3 مليار دولار في 2025، أي 5.3% من الناتج المحلي الإجمالي—أكثر من ضعفي التوقع السابق البالغ 27 مليار دولار (2.3%).

وتأتي المراجعة بينما تواصل الحكومة ضخّ الإنفاق على المشاريع العملاقة والاستحواذات، في وقت تُضعف فيه أسعار النفط الإيرادات وتوسّع فجوة العجز. الرسالة الضمنية واضحة: المملكة مستعدة لتحمّل العجز كتكلفة لازمة لتحوّلٍ اقتصادي تاريخي، لكن الأرقام تُبيّن حدّة اصطدام الطموح بالواقع.

وتُقدّر وزارة المالية إجمالي الإنفاق في 2025 بنحو 356 مليار دولار، مع توقع نمو الناتج المحلي 4.4% مدفوعًا بالنشاط غير النفطي.

وفي بيان ما قبل الموازنة للسنة المالية 2026، تُسجّل المالية سيناريو استمرار الضغط: إنفاق ~350 مليار دولار مقابل إيرادات ~306 مليارات، بعجز 44 مليارًا (3.3%)—أعلى من التقدير السابق (2.9%). وعلى الرغم من ذلك، تراهن الرياض على زخمٍ غير نفطي يقود نموًا متسارعًا إلى 4.6% في 2026.

معادلة النفط

في الخلفية، تقف معادلة النفط باعتبار أن خام برنت حول 65 دولارًا للبرميل—أقل بكثير من سعر التعادل المالي المُقدّر بأكثر من 90 دولارًا. كما أن قيادة السعودية لمسار تخفيف قيود الإنتاج في أوبك+ تزيد المعروض وتضغط على الأسعار، ما يترك فجوة أكبر ينبغي سدّها بوسائل أخرى: دين عام محكوم، ضبط مرحلي للإنفاق، أو إعادة ترتيب أولويات المشاريع.

وينعكس هذا التوازن الدقيق على رؤية 2030 ومشروعاتها الضخمة: بنية تحتية واسعة، رهانات على السياحة والترفيه، واستثمارات داخلية وخارجية بمليارات الدولارات.

غير أن التصدعات بدأت تظهر، فخلال العام الماضي ظهرت إشارات إلى تقليص أو تأجيل في بعض المشاريع، واستمر هذا الاتجاه في 2025؛ إذ تحدثت تقارير في أغسطس عن صعوبات في الالتزام بالجدول الزمني لمشروع «تروجينا» للتزلج الصحراوي، المقرر أن يستضيف دورة الألعاب الآسيوية الشتوية 2029.

وهذه التعديلات لا تعني العدول عن الرؤية، لكنها تعكس إعادة معايرة بين الطموح والقدرة التمويلية والطاقات التنفيذية.

على جبهة التمويل، كثّفت الكيانات السعودية اللجوء إلى أسواق الدين في 2025؛ فخلال أوائل سبتمبر وحده، جُمِع أكثر من 10 مليارات دولار عبر صكوك وسندات.

وتؤكد وزارة المالية أن نسبة الدين العام إلى الناتج لا تزال منخفضة نسبيًا وضمن هوامش آمنة مقارنةً باقتصادات مماثلة، ما يمنح الرياض حيز مناورة لتمويل الفجوات دون زعزعة الاستقرار المالي.

بالتوازي، برزت إشارات إلى حذرٍ أكبر في بعض الاستثمارات الخارجية: ففي 23 سبتمبر أُفيد بتوقّف محادثات أرامكو لضخ أكثر من مليار دولار في وحدة الطاقة المتجددة لدى «ريبسول» الإسبانية—مؤشرٌ على انتقاء أدقّ للفرص في بيئة عائدات متراجعة.

تثبيت مسار التنويع

تُحاول الحكومة السعودية تثبيت مسار التنويع عبر الحفاظ على الإنفاق الرأسمالي ليعمل كرافعة للنشاط غير النفطي، مع تخفيفٍ انتقائي في المشروعات الأقل أولوية.

لكن المخاطر مزدوجة: هبوطٌ أطول في أسعار النفط يضغط الإيرادات أكثر، وتأخيرات تنفيذية ترفع كلفة المشاريع وتؤجل مردودها، بما يُبقي العجز أعلى من المخطط لسنوات إضافية.

في المقابل، فإن تحسّن أسعار النفط فوق مستويات التعادل، أو تسارع العوائد غير النفطية (سياحة، رسوم، ضرائب انتقائية، خصخصة واكتتابات)، قد يضغط العجز نزولًا أسرع من المتوقع.

سياسيًا ومالياً، تحمل أرقام 2025–2026 ثلاث رسائل:

الاستمرارية: الرؤية لن تتوقف، لكن الإيقاع قابل للمواءمة.

الانضباط المرن: تمويل العجز عبر مزيجٍ متوازن من الدين وإعادة ترتيب الأولويات بدلاً من خفضٍ حادّ قد يضر بالنمو.

اختبار الثقة: الأسواق ستراقب سياسات التنفيذ أكثر من العناوين—من إدارة المخاطر، ونوعية الإنفاق، إلى سرعة تحويل المشاريع من «رأس مال مُجمّد» إلى تدفّقات دخل مستدامة.

ومع اقتراب مواعيد 2030، ستخضع الطموحات الإنفاقية لتدقيقٍ أكبر، كما حدث مع مراجعات هذا العام. وإذا بقيت أسعار النفط دون التعادل واستمرت التأخيرات التنفيذية، فقد تُضطر الرياض إلى موجة مواءمات جديدة لأهداف 2026 وما بعدها—من دون التخلي عن الهدف المركزي: اقتصاد أقلّ تبعية للنفط وأكثر قدرة على توليد النمو الذاتي.

الرابط المختصر https://gulfnews24.net/?p=72840

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى