أخبار الخليج

الإمارات… واحة للتعايش في الداخل وفاعل ظِلٍّ في أسوأ حروب المنطقة

في قلب أبوظبي، يتجسّد حلمٌ تتباهى به الإمارات أمام العالم: بيت العائلة الإبراهيمية، المبنى الذي يضم مسجدًا وكنيسة وكنيسًا في إطار معماري واحد، افتُتح عام 2023 وسط احتفاء دولي اعتبره كثيرون نموذجًا للتسامح الديني.

وفي دبي، تنمو الجالية اليهودية بما يتراوح بين 5,000 و8,000 شخص عام 2025 بعد أن كانت بضع مئات فقط قبل اتفاقيات إبراهيم، بينما تُضاء شمعدانات “حانوكا” في الأماكن العامة، وتنتشر مطاعم “الكوشر”، وتعمل مدارس دينية تحت رعاية حكومية مباشرة.

والمشهد لا يقتصر على اليهود؛ فالمسيحيون يحتفلون بعيد الفصح في أكثر من 50 كنيسة، والهندوس يمارسون شعائرهم في معابد حديثة، ويضع الناس صلبانهم ونجمة داود في وضح النهار بلا خوف. هكذا تريد الإمارات أن يُنظر إليها: منارة للتعايش والحداثة في منطقة مضطربة، ونموذجاً ثانياً بعد إسرائيل في التسامح الديني.

لكن خلف هذه الصورة المبهرة، تبرز صورة أخرى—داكنة، خشنة، وصادمة—في صحراء دارفور السودانية، حيث تُتهم قوات الدعم السريع المدعومة إماراتياً بارتكاب إبادة جماعية موثّقة شملت قتلًا جماعيًا واغتصابًا وتطهيرًا عرقيًا ضد مجتمعات المساليت والمجموعات غير العربية.

وفي يناير 2025، أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية رسميًا أن قوات الدعم السريع ارتكبت جرائم إبادة جماعية. هنا يسقط القناع: الإمارات التي تبني معابد في أبوظبي، تورَّط في تمويل ميليشيات تقتل وتشرّد وتغتصب على بُعد آلاف الكيلومترات.

وجه لامع: تسامح داخلي وتطبيع إقليمي

لا يمكن إنكار أن الإمارات قدمت نموذجًا ناجحًا في جانب من سياستها الداخلية والإقليمية. اتفاقيات إبراهيم فتحت الباب أمام تجارة تتخطى 3 مليارات دولار سنوياً، وتعاون في الذكاء الاصطناعي والتقنيات المالية والسياحة.

فالمناهج الدراسية عُدلت لإزالة خطاب الكراهية وتعليم الهولوكوست، والحرية الدينية تحوّلت من مجرد وعود إلى تطبيقات ملموسة على الأرض.

كما أن الإمارات ضخت مليارات في مشاريع إنسانية، منها 2.57 مليار دولار لغزة منذ 2023، وأكثر من 600 مليون دولار للسودان منذ بدء الحرب.

وفي القرن الأفريقي، لعبت دورًا بنّاءً في صوماليلاند عبر تطوير ميناء بربرة بـ442 مليون دولار، وتقديم مساعدات إنسانية وتدريب أمني ساعد المنطقة على البقاء مستقرة نسبيًا.

وجعلت هذه السياسة “الناعمة” الإمارات لاعباً محبباً في الغرب، وشريكاً محوريًا في مشاريع كبرى مثل الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا (IMEC)، ومركزاً إقليمياً لمكافحة التطرف الديني والحوار بين الحضارات.

وجه قاتم: حروب بالوكالة وميليشيات وجرائم حرب

لكن في الأطراف—حيث تتراجع الأضواء والكاميرات—تتحول الإمارات إلى قوة تدخلية تعتمد واقعية سياسية باردة. السودان هو المثال الأشد وضوحًا.

منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023 بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، تحول الصراع إلى كارثة إنسانية. عشرات الآلاف قُتلوا، و25 مليون شخص يواجهون الجوع، وأكثر من 10 ملايين أصبحوا نازحين—أكبر أزمة نزوح عالمية معاصرة.

ورغم أن أبوظبي تصرّ على أنها تقدّم مساعدات إنسانية فقط، كشفت تقارير خبراء الأمم المتحدة وتحقيقات العفو الدولية والكونغرس الأمريكي أن الإمارات زودت قوات الدعم السريع بطائرات مسيّرة وذخائر وأسلحة عبر قواعد تشادية أو تحت غطاء “رحلات إنسانية”.

كما أن تجارة الذهب السوداني—80% منها تحت سيطرة قوات الدعم السريع—تتدفق إلى دبي عبر قنوات رسمية وموازية، مولّدة مليارات الدولارات من غسيل الذهب الذي يموّل الحرب.

ويظهر النمط نفسه في اليمن، حيث دعمت الإمارات المجلس الانتقالي الجنوبي المتهم بجرائم تعذيب واعتقال تعسفي، وفي ليبيا حيث سلّحت خليفة حفتر رغم حظر الأسلحة الأممي، وشاركت في تمكين قوات ارتكبت انتهاكات خطيرة بحق مهاجرين ومدنيين.

لماذا تفعل الإمارات ذلك؟

الإجابة تكمن في حسابات النفوذ لا المبادئ. أبوظبي تعمل وفق رؤية استراتيجية طويلة المدى تشمل:

تثبيت السيطرة على البحر الأحمر عبر ميناءي بربرة وعصب، والسعي لبورتسودان.

احتكار ذهب السودان كمحرك أساسي لمركز دبي العالمي للذهب.

تأمين الأمن الغذائي عبر ملايين الهكتارات الزراعية السودانية.

إضعاف الإسلاميين في المنطقة عبر دعم وكلاء علمانيين مثل حميدتي.

موازنة نفوذ مصر وتركيا وقطر وإيران.

بالنسبة لاقتصاد يتجاوز 500 مليار دولار، فإن تكلفة دعم ميليشيات في الأطراف أهون بكثير من فقدان السيطرة على طرق التجارة والموارد الحيوية.

وعليه تحاول الإمارات تقديم نفسها كقوة تقدمية عالمية، لكن ممارساتها في أطراف المنطقة ترسم صورة أخرى لا تستطيع الحملات الإعلامية إخفاءها.

وبينما تتزايد التحقيقات الدولية والتهديدات بالعقوبات، يتسع الفارق بين الإمارات التي تبني كنائس ومراكز حوار، والإمارات التي تغذي حروباً تمزق شعوباً بأكملها.

الرابط المختصر https://gulfnews24.net/?p=73177

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى