وول ستريت جورنال: السعودية تبحث عن مظلة أمنية بديلة عن واشنطن
قالت صحيفة وول ستريت جورنال إن المملكة العربية السعودية تسعى إلى مظلة أمنية بديلة مع تآكل الثقة في الولايات المتحدة وتوترات إقليمية غير مسبوقة.
وأبرزت الصحيفة أنه في تحول لافت في هندسة الأمن الخليجي، وقعت السعودية وباكستان في 17 سبتمبر/أيلول 2025 اتفاق دفاع متبادل ينص على أن «أي اعتداء على أي من البلدين سيُعد اعتداء على كليهما»، في ترقيةٍ لشراكة أمنية قديمة إلى إطار ردعي معلن.
وقد جاء الاتفاق بعد أسبوع واحد من الضربة الإسرائيلية على الدوحة، ما زاد منسوب القلق الإقليمي ومنح الخطوة وقعًا سياسيًا مضاعفًا.
,تقرأ دوائر المتابعة في واشنطن هذا التحرك ضمن سياق أوسع من تآكل الثقة الخليجية بالضمانات الأميركية منذ سنوات، وهو ما تعكسه تغطية «وول ستريت جورنال» التي ربطت مباشرة بين الترتيب السعودي–الباكستاني واتجاه الرياض إلى «تنويع» مصادر أمنها دون قطع الجسور مع الولايات المتحدة.
بكلمات أخرى، تسعى المملكة إلى إضافة طبقة ردع إقليمية إلى المظلة الغربية التقليدية بدلاً من استبدالها.
القدرات النووية الباكستانية
في إسلام آباد، رُوِّج للاتفاق على أنه «ترتيب دفاعي رادع» لا يستهدف طرفًا بعينه.
وذهب وزير الدفاع الباكستاني خطوة أبعد بالتلميح إلى أن القدرات النووية الباكستانية «قد تُتاح» للدفاع عن السعودية بموجب الاتفاق، وهي إشارة رفعت سقف التأويلات حول طبيعة المظلة الجديدة حتى إن لم تُذكر مفردة «النووي» نصًا في البيان المشترك.
وبالنسبة لمراقبين كُثر، يكفي هذا التلميح لترسيخ انطباع بإعادة تشكيل ميزان الردع في الخليج.
في نيودلهي، جاء الرد دبلوماسيًا محسوبًا. وزارة الخارجية الهندية شددت على «الشراكة الاستراتيجية الواسعة» مع السعودية، مع الإعراب عن «توقع» مراعاة المصالح والحساسيات المتبادلة في ضوء توقيع اتفاق الرياض–إسلام آباد.
وتعكس اللهجة حرص الهند على صيانة مكاسبها مع الخليج من دون تجاهل ما يحمله الاتفاق من تداعيات على معادلتها الأمنية مع باكستان.
دلالات التوقيت
لا تقل دلالات التوقيت أهمية عن نصوص الاتفاق. فقد سبقه بأيام تصعيد إقليمي بعدما استهدفت إسرائيل الدوحة، لتصدر مواقف متضامنة مع قطر وتتحرك عواصم المنطقة سياسيًا بسرعة، وبينها الرياض التي أعلنت دعمًا كاملًا للدوحة ودعت إلى تحرك عربي–إسلامي ودولي.
في هذا المناخ، يبدو منطقيًا أن تعزز السعودية رصيد الردع وتكسر انطباع الارتهان الحصري للمظلة الأميركية.
وعلى المستوى العملي، يفتح الاتفاق الباب أمام توسيع مساحات التعاون القائم أصلًا: تمارين مشتركة، تبادل معلومات، دعم لوجستي، وتكامل في الإنذار المبكر والدفاع الجوي والصاروخي.
أما البعد السياسي فيكمن في الرسالة المزدوجة: طمأنة الحلفاء بأن أمن المملكة ليس رهينة مسار واحد، وتنبيه الخصوم إلى أن أي اختبار مباشر لكلفته حسابات جديدة تتجاوز حدود الخليج.
مع ذلك، لا يبدو أن الرياض تسعى إلى قطيعة مع واشنطن. فمحصلة الخبرة منذ هجوم بقيق 2019 وهجمات الحوثيين على أبوظبي 2022 رسخت انطباعًا خليجيًا بأن الاستجابة الأميركية قد لا تكون أوتوماتيكية أو بالزخم المتوقع، ما يدفع إلى «مراكمة بدائل» لا إلى استبدال الشراكة. هذا الإدراك هو الذي يغذي فلسفة «التحوّط» السعودية اليوم.
إقليميًا، يحمل الاتفاق آثارًا متباينة. فهو يمنح باكستان، التي تواجه صعوبات اقتصادية مزمنة، فرصة لإعادة إدماج جيشها في ترتيبات أمن الخليج مقابل مزيد من الاستثمارات والقروض، ويمنح السعودية ذراعًا عسكرية خبيرة في مواجهة سيناريوهات عدم الاستقرار.
لكنه في المقابل يستدعي حساسية هندية، ويُلزم الرياض بإدارة توازن أدق مع نيودلهي التي راكمت خلال الأعوام الماضية روابط طاقة واستثمار عميقة مع المملكة.
اللافت أيضًا أن الاتفاق يأتي فيما تتضاءل فرص إحياء مشروع تقوده الولايات المتحدة لنسج مظلة أمنية شرق أوسطية تُدمَج فيها إسرائيل مقابل خطوات سياسية تجاه الفلسطينيين؛ فحرب غزة منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023 والضربة على الدوحة غيّرتا المزاج الإقليمي وقلبتا أولويات كثير من العواصم.
بهذا المعنى، يقرأ كثيرون اتفاق الرياض–إسلام آباد باعتباره تتويجًا لمنطق «الأمن أولًا» بعيدًا عن خرائط التحالفات التي تصيغها واشنطن.
خلاصة المشهد: السعودية تتحرك لتوسيع قاعدة أمنها القومي عبر تحالف دفاع متبادل مع باكستان، في خطوة تُراكم الردع ولا تقطع مع الشراكة الأميركية. الهند تُعلن قلقًا محسوبًا وتراهن على متانة علاقتها بالرياض، فيما تُرسل باكستان إشارة عالية السقف حول إمكانات «المظلّة».
وبين كل ذلك، يبقى اختبار التنفيذ هو الفيصل: إلى أي مدى سيتحول النص إلى ترتيبات عملياتية فاعلة، وكيف ستوازن الرياض بين ضرورات التحوّط ومقتضيات شراكاتها المتشابكة؟ الإجابة ستتضح مع أول اختبار أمني حقيقي في الإقليم.
الرابط المختصر https://gulfnews24.net/?p=72769



