وول ستريت جورنال: صفقة بملايين الدولارات لتحرير أمير إماراتي في مالي
كشفت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية أن دولة الإمارات دفعت مبلغًا ضخمًا يصل إلى 23 مليون دولار مقابل إطلاق سراح الشيخ أحمد بن مكتوم بن جمعة آل مكتوم، أحد كبار رجال الأعمال الإماراتيين وعضو العائلة الحاكمة في دبي، والذي اختطفته جماعة نصرة الإسلام والمسلمين (JNIM)، الفرع الأكثر نفوذًا لتنظيم القاعدة في الساحل.
ويبلغ الشيخ المختطف 78 عامًا، وقد تم خطفه في سبتمبر الماضي من مزرعته الواقعة جنوب العاصمة المالية باماكو، خلال مداهمة مسلحة وثّقتها الجماعة في تسجيل مصوّر يظهر مقاتليها وهم يقتحمون المزرعة التي احتفظ فيها آل مكتوم بطائرات خاصة وطائرات شراعية. واختُطف معه رجل إيراني وآخر من مساعديه.
وبحسب الصحيفة تكشف قصة الاختطاف وفدية الإفراج شبكة مصالح إماراتية آخذة في التوسع داخل مالي، رابع أكبر منتج للذهب عالميًا، حيث يُصدَّر القسم الأكبر من إنتاجها إلى دبي.
ويُعد آل مكتوم واحدًا من رجال الأعمال الإماراتيين الذين حافظوا خلال العقد الأخير على حضور كثيف في قطاع تجارة الذهب والمعادن الثمينة في مالي، وهو قطاع لطالما جذب شبكات مالية غير شفافة، وحركات مسلحة، ومنافسة خارجية شرسة.
ويشير التقرير إلى أن نفوذ الإمارات في تجارة الذهب لم يعد اقتصاديًا فقط، بل أصبح متداخلًا مع علاقات معقدة بالفاعلين الميدانيين، في بلد تتقاطع فيه تجارة المعادن مع الحركات المسلحة، والجماعات الجهادية، وشبكات التهريب العابرة للحدود.
ويؤكد ذلك أن الحادث لم يكن مجرد عملية اختطاف عشوائية، بل جاء في سياق صراع على ممرات التجارة والمال والسيطرة على مناطق النشاط الاقتصادي.
صفقة ذات أبعاد أمنية وسياسية
بحسب الصحيفة، فإن الإمارات لم تكتف بدفع مبلغ مالي “هائل”، بل شملت الصفقة أيضًا إطلاق سراح عشرات المعتقلين من المتشددين الإسلاميين المحتجزين لدى الحكومة المالية، في خطوة أثارت مخاوف دولية من تعزيز قدرات الجماعة التي تخوض اليوم حملة لتطويق العاصمة باماكو وإجبار المجلس العسكري على التفاوض معها.
وبعد شهر من المفاوضات، أُفرج عن الشيخ والمختطفين الآخرين. ووفق المصادر التي تحدّثت إلى الصحيفة، فقد وصلت طائرة خاصة من طراز جلف ستريم إلى مالي، ونقلت الشيخ مباشرة إلى دبي بعد إتمام عملية التسليم.
وكانت وكالة رويترز قد نقلت رواية أخرى تفيد بأن مبلغ الفدية قد وصل إلى 50 مليون دولار، ما يعكس حجم الغموض والتضارب المحيط بالصفقة، ويعزّز الشكوك بشأن مدى تورط قنوات مالية موازية في عملية الدفع.
وسطاء وميليشيات ونفوذ عابر للحدود
تقول وول ستريت جورنال إن عائلة آل مكتوم استعانت بوسطاء بينهم قادة محليون وزعماء قبائل، أبرزهم أحمد أغ بيبي، وهو قيادي طوارقي كان يقاتل سابقًا في حركة إسلامية بقيادة إياد أغ غالي، الشخصية المحورية في نزاعات الساحل، والذي تحول من مغنٍ سابق في فرقة روك إلى أحد أخطر قادة الجماعات المسلحة في المنطقة.
وذكرت الصحيفة أن اللجوء إلى هذه الشخصيات يسلّط الضوء على شبكة النفوذ الإماراتي غير الرسمية في الساحل، والتي باتت تستخدم وسطاء محليين لهم حضور في خطوط التماس بين الحكومات والجماعات المسلحة، في بيئة تُستخدم فيها الفدية كأداة نفوذ سياسي واقتصادي.
وأثارت الصفقة موجة انتقادات واسعة، خصوصًا من منظمات تراقب حركة الأموال في مناطق النزاع.
وقالت جوستينا جودزوسكا، المديرة التنفيذية لمنظمة The Sentry، إن “الفدية الضخمة تأتي في أسوأ توقيت ممكن”، موضحة أن ضخ هذا الكم من الأموال “يمثل نعمة كبيرة” لجماعة نصرة الإسلام والمسلمين، ويعزّز قدرتها على شن هجمات وتوسيع نفوذها في غرب أفريقيا.
واتهمت مجلة ذا ويك الأمريكية الإمارات بأنها قدّمت “دفعة مالية كبيرة لصندوق الحرب الخاص بتنظيم القاعدة”، معتبرة أن الخطوة تتعارض مع المصالح الأمريكية في الساحل، حيث تدعم واشنطن الجهود الرامية إلى إضعاف الجماعات الجهادية، لا تمويلها — حتى بشكل غير مباشر — مقابل صفقات فردية.
وترى المجلة أن الصفقة تكشف جانبًا من “ازدواجية الدور الدبلوماسي” لأبوظبي، التي تحاول أن تحافظ على حضور سياسي واقتصادي عميق في أفريقيا، ولو كان ذلك عبر قنوات معقدة تجمع بين التجارة والوساطة والتفاهمات غير المعلنة.
أسئلة مفتوحة حول الدور الإماراتي في الساحل
يثير الكشف عن هذه الفدية الضخمة مجموعة من الأسئلة حول الدور الإماراتي المتنامي في منطقة الساحل، ومدى تأثيره على ديناميات الصراع بين الجماعات المسلحة والدول الهشة.
كما يطرح تساؤلات حول استخدام الفدية كأداة نفوذ، وكيف أثّرت شبكات تجارة الذهب العابرة للحدود في تعقيد المشهد الأمني.
وفي ظل تصاعد نفوذ الجماعات الجهادية وسعيها لتطويق العاصمة باماكو، يخشى مراقبون أن يؤدي الإفراج عن عشرات المتشددين، إلى جانب تدفق ملايين الدولارات، إلى تعزيز قدرات تلك الجماعات في لحظة حرجة.
ومع غياب رد إماراتي رسمي واضح على ما ورد في التقارير، تبقى تداعيات الصفقة مفتوحة، وسط تحذيرات منظمات حقوقية من أن هذه الحادثة قد تكرّس نمطًا جديدًا من الصفقات السرية التي تربط بين المال والنفوذ والجماعات المسلحة في مناطق الاضطراب.
الرابط المختصر https://gulfnews24.net/?p=73237



