وهم القوة التقنية: لماذا يفشل اندفاع السعودية نحو الذكاء الاصطناعي رغم مليارات النفط
تسعى السعودية إلى تقديم نفسها بوصفها القوة التقنية الصاعدة في الشرق الأوسط، وتعمل على إعادة صياغة علاقتها مع الولايات المتحدة لتتمحور حول الذكاء الاصطناعي بدل النفط.
لكن المملكة رغم الطموحات الضخمة والزيارات الرفيعة والاستثمارات الهائلة، ما زالت تواجه حزمة من التحديات العميقة التي تقف حائلًا بينها وبين التحول إلى مركز عالمي لصناعات المستقبل.
وعززت زيارة ولي العهد محمد بن سلمان الأخيرة إلى واشنطن الانطباع بأن التحالف السعودي–الأميركي يدخل مرحلة “التكنولوجيا الاستراتيجية”، في وقت تتجه فيه الشركات الأميركية لتعميق وجودها في الخليج. المبادرات السعودية، وعلى رأسها مبادرة مستقبل الاستثمار «دافوس الصحراء»، تحاول وضع المملكة في قلب سباق الذكاء الاصطناعي العالمي.
إلا أن هذه التحركات، على الرغم من زخرفها السياسي والإعلامي، لا تخفي حقيقة أن السعودية ما زالت متأخرة عن اللاعبين الكبار مثل الولايات المتحدة والصين.
سباق الذكاء الاصطناعي… طموح كبير بلا قاعدة صلبة
منذ تأسيس الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي عام 2019، ضخت المملكة مليارات الدولارات في البنية التحتية التقنية، وتعاونت مع شركات عالمية لتحسين قوتها الحوسبية وبناء مراكز بيانات ضخمة.
كما أطلقت منصة «HumAIn» بالشراكة مع «كوالكوم»، محاولةً الإيحاء بأن السعودية أصبحت لاعبًا يُحسب له حساب في اقتصاد الذكاء الاصطناعي.
لكن الواقع أكثر تعقيدًا. فالسعودية تدرك أن اقتصادها النفطي لم يعد قادرًا على ضمان نفوذ عالمي طويل الأمد، وأن بناء اقتصاد معرفي جديد قد يمثل قفزة استراتيجية في ميزان القوة الجيوسياسية.
لكن المملكة تفتقر حتى الآن إلى الركائز الأساسية التي يقوم عليها أي اقتصاد يعتمد على الذكاء الاصطناعي.
التحديات البنيوية: الجغرافيا، الموارد، والبيئة الصحراوية
أكبر المشكلات التقنية التي تواجه المملكة هي البنية التحتية الضرورية لمراكز البيانات، والتي تحتاج إلى كميات هائلة من الماء لتبريد الخوادم.
وفي بلد صحراوي يعاني من ندرة المياه العذبة، يصبح تشغيل منشآت الذكاء الاصطناعي باهظ التكلفة وغير مستدام.
فتحلية المياه، رغم توسعها، تستهلك كميات هائلة من الطاقة وتُنتج مياهًا مرتفعة التكلفة، لا تصلح للاستخدام الواسع في تبريد المراكز الضخمة.
كما أن درجات الحرارة المرتفعة في بيئة الخليج تجعل من التبريد المائي والهوائي تحديًا مضاعفًا، ما يرفع تكاليف التشغيل إلى مستويات يصعب منافسة القوى التقنية العالمية فيها.
يضاف إلى ذلك أن المملكة، رغم امتلاكها النفط، تفتقر إلى مخزون وفير من الغاز الذي يعد عنصرًا أساسيًا لتشغيل منشآت الحوسبة العالية الطاقة، ما يدفعها للاعتماد على استيراد حلول تقنية خارجية بدل إنتاج قدرات مستقلة.
المعضلة الأكبر: رأس المال البشري
حتى لو تجاوزت السعودية عقبات البيئة والبنية التحتية، يبقى أحد أخطر التحديات: قلة المواهب.
فعقود من التركيز على التعليم الديني، على حساب العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، أدت إلى فجوة كبيرة بين طموحات المملكة وواقع مهارات القوى العاملة لديها.
تحوّل السعودية إلى قوة في الذكاء الاصطناعي يتطلب علماء بيانات، مهندسي برمجيات، مطوري خوارزميات، متخصصي أنظمة، ومراكز أبحاث جامعية عالية المستوى — وكلها عناصر لم تتشكل بالشكل الكافي بعد.
بل إن السعودية ما زالت مستورِدة للخبرات الأجنبية، ما يخلق حالة من الاعتماد الاستراتيجي الطويل على شركات خارجية.
ورقة الجغرافيا السياسية: اللعب مع واشنطن وبكين
السعودية تحاول استغلال موقعها السياسي للعب على الحبلين الأميركي والصيني. فبينما تعزز شراكاتها مع الشركات الأميركية، تُعلن في الوقت نفسه استعدادها لاستقبال بنية تحتية تُطورها الصين.
ويمنح هذا النهج المملكة مساحة مناورة، لكنه يفتح الباب أمام مخاطر استراتيجية، إذ إن أي مواجهة بين القوى العظمى ستضع الرياض في قلب معركة النفوذ التقني.
ورغم ذلك، فإن المملكة ليست «مركزًا محايدًا»، لأنها ببساطة لا تمتلك البيئة ولا القدرات التي تجعلها محورًا عالميًا حقيقيًا لتقنيات الذكاء الاصطناعي، بل مجرد سوق تمول شركات التكنولوجيا الكبرى.
الرابط المختصر https://gulfnews24.net/?p=73155



