أخبار الخليج

ديون إماراتية تهدد بجرّ صحيفة التلغراف إلى أزمة مالية وسياسية غير مسبوقة

تكشف الأزمة المتصاعدة حول مستقبل صحيفة The Telegraph البريطانية عن واحدة من أعقد الأزمات التي تواجه مؤسسة إعلامية كبرى في المملكة المتحدة منذ عقود، بعد أن تبيّن أن صفقة بيع متعثّرة تضمنت شروطًا مالية سرّية قد تُلزم الصحيفة بسداد ديون هائلة مصدرها الإمارات العربية المتحدة.

فوفق تقرير التلغراف نفسها، فإن وجود “بند سامّ” في الاتفاق الأصلي قد يضع المؤسسة الإعلامية العريقة أمام التزام مالي يصل إلى 500 مليون جنيه إسترليني، ما يثير مخاوف جدية بشأن استقلال الصحافة البريطانية وتأثير النفوذ الخارجي عليها.

وبدأت القصة عندما حاولت شركة الاستثمار الأميركية RedBird Capital Partners، بالتعاون مع شركة IMI الإماراتية المملوكة لنائب رئيس دولة الإمارات، الاستحواذ على الصحيفة في صفقة معقدة أُعلنت في ديسمبر 2023.

وقد كان الهدف المعلن وقتها هو تسوية ديون عائلة باركلي المالكة السابقة للتلغراف، لكن مصدر هذه التسوية كان قرضًا إماراتيًا كبيرًا ارتبط بشروط غير مكشوفة للرأي العام.

ومع انسحاب RedBird من الصفقة يوم الجمعة الماضية بعد عامين من المحاولات، انقلبت بنود الاتفاق إلى تهديد مباشر للصحيفة نفسها.
ويعني فشل RedBird وIMI في تحويل الديون إلى ملكية فعلية أن المبلغ المستحق للإمارات قد يظهر كدين جديد على ميزانية التلغراف، ليصل الفارق بين قيمة القرض الأصلي وقيمة الصحيفة الحالية إلى نحو 150 مليون جنيه إسترليني.

فالصحيفة تُقيَّم اليوم بحوالي 350 مليون جنيه فقط، في حين كانت الصفقة السابقة قد قدّرت قيمتها بأكثر من 500 مليون. هذا الفارق، إذا احتُسب على أنه دين واجب السداد، سيضع التلغراف تحت عبء مالي غير مسبوق، وسط غموض كامل حول نسب الفائدة وشروط السداد.

وقد أثار هذا التطور غضبًا سياسيًا واسعًا في بريطانيا، إذ اعتبرت البارونة ستوويل أن وجود “البند السمّ” يمثل تهديدًا فاضحًا لاستقلال الصحيفة، مطالبة وزيرة الثقافة ليزا ناندي بالكشف عن موقف الحكومة وإجراءاتها لإخراج عملية البيع من سيطرة IMI الإماراتية.

كما تساءلت ستوويل بصراحة: “متى علمت الحكومة لأول مرة بهذه الصفقة الخطيرة؟”، في إشارة إلى احتمال وجود تقصير رسمي أو إهمال في مراقبة النفوذ الأجنبي داخل قطاع حساس كالإعلام.

وتشير مصادر مطلعة على سير العملية إلى أن هذا “البند السام” يمثل عقبة حقيقية أمام أي عملية بيع مقبلة، لأنه سيفرض على أي مشترٍ جديد أن يتحمل ديونًا ضخمة فور توليه الملكية، ما يقلل من قدرة التلغراف على الاستثمار أو تطوير نفسها خلال المرحلة الحاسمة من التحول الرقمي في الصحافة البريطانية. هذا الخطر لا يؤثر على المالك المتوقع فقط، بل يهدد مستقبل الصحافة الحرة في البلاد.

وقد جاءت هذه الترتيبات المالية في سياق محاولة IMI وRedBird السيطرة على الصحيفة من خلال سداد ديون عائلة باركلي لمصرف Lloyds، وهي خطوة أوقفت عملية بيع كانت تُدار بشفافية بواسطة مديرين مستقلين وفق معايير تضمن أفضل عائد وأعلى درجات الحماية لاستقلالية المؤسسة الإعلامية.

وعندما أثار تدخل الإمارات غضبًا سياسيًا واسعًا حول حرية الصحافة والتدخل الأجنبي، حاولت IMI بيع حق الاستدعاء (Call option) لكنها رفضت أي عرض يقل عن 500 مليون جنيه. العروض التي قُدّمت لاحقًا، مثل عرض دوفيد إيفوني، أو عرض اللورد ساتشي بقيمة 350 مليون مع مدفوعات مشروطة، لم تقنعها أو لم تُستكمل لأسباب مالية.

ورغم كل هذه التعقيدات، تشير الحسابات المالية للتلغراف إلى أن الصحيفة ما تزال في وضع قوي، إذ حققت أرباحًا تشغيلية بلغت 54.6 مليون جنيه، وارتفعت الإيرادات بنسبة 1.2٪ لتصل إلى 279.4 مليون.

لكن هذا الأداء الجيد لم يكن كافيًا لإقناع RedBird بمتابعة الصفقة، خصوصًا بعد إشارة الحكومة البريطانية إلى إمكانية فتح تحقيق حول النفوذ الأجنبي.

وقد أكدت الحكومة البريطانية، عبر المتحدث باسم رئيس الوزراء كير ستارمر، رغبتها في “حل سريع يخدم المصلحة العامة”، فيما شددت لجنة الثقافة والإعلام في مجلس العموم على ضرورة حماية الصحيفة من أي تأثير خارجي، قائلة: “لا ينبغي للدول الأجنبية أن تمتلك أو تتحكم في صحافتنا”.

الرابط المختصر https://gulfnews24.net/?p=73093

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى