اتفاق أمني على المحك: لماذا قد تتحوّل مفاوضات سوريا وإسرائيل إلى نقطة انعطاف خطيرة؟
شهدت العاصمة السورية دمشق، يوم الأربعاء، تصريحًا لافتًا من الرئيس أحمد الشرع أعلن فيه أن المفاوضات الجارية مع إسرائيل للتوصل إلى اتفاق أمني قد تفضي إلى نتائج في “الأيام المقبلة”.
وقد أثار التصريح الذي جاء في خضمّ مرحلة حساسة، أسئلة ملحّة حول مضمون المقترح الإسرائيلي، وحول التداعيات الجيوسياسية والأمنية لأي اتفاق من هذا النوع.
في هذا التحليل نسلّط الضوء على ملامح المقترح الإسرائيلي، ونفكك أبعاده الاستراتيجية، ثم نرصد ما يحمله من تحديات وخيارات أمام سوريا، والمنطقة ككل.
ملامح المقترح الإسرائيلي
بحسب تسريبات موقع أكسيوس، فإن المقترح الذي قدّمته إسرائيل إلى دمشق يستند في تصميمه إلى معاهدة السلام المصرية – الإسرائيلية عام 1979، ويقوم على صياغة “مناطق أمنية” جنوب غرب العاصمة دمشق وصولًا إلى الحدود.
المناطق العازلة: ينص المقترح على تقسيم الأراضي الواقعة جنوب غرب دمشق إلى ثلاث مناطق مختلفة، مع توسيع المنطقة العازلة الحالية داخل الأراضي السورية بمقدار كيلومترين.
القيود الجوية: يقضي المقترح بفرض حظر كامل على تحليق أي طائرة سورية فوق الشريط الممتد من جنوب غرب دمشق حتى الحدود الإسرائيلية.
الانسحاب الإسرائيلي: مقابل ذلك، تعد إسرائيل بانسحاب تدريجي من معظم مواقعها في سوريا، لكنها تشترط الاحتفاظ بوجود عسكري في جبل الشيخ باعتباره “خطًا أحمر” في أي نسخة من الاتفاق.
القراءة السورية: “الضرورة” وحدود القبول
وصف الرئيس أحمد الشرع الاتفاق الأمني بأنه “ضرورة”، لكنه شدّد على احترام المجال الجوي السوري ووحدة الأراضي السورية، وعلى أن يكون الاتفاق خاضعًا لرقابة الأمم المتحدة. هذه النقاط تحمل رسائل مزدوجة:
أولًا: دمشق تريد أن تظهر للعالم أنها منفتحة على حلول أمنية تنهي حالة الاستنزاف.
ثانيًا: لكنها في الوقت نفسه ترفض التنازل عن السيادة الجوية والإقليمية، وتطالب بغطاء أممي يحدّ من أي توظيف إسرائيلي أحادي.
البعد الإسرائيلي: أمن الحدود وتثبيت المكاسب
من منظور تل أبيب، يعكس المقترح هدفًا استراتيجيًا مزدوجًا:
تحييد الخطر السوري المباشر عبر إنشاء منطقة عازلة أكبر ومنع تحليق الطائرات السورية قرب الجبهة.
الاحتفاظ بجبل الشيخ كنقطة سيطرة استراتيجية تمنح إسرائيل تفوقًا استخباراتيًا وراداريًا على الجولان والجنوب السوري، ما يجعل أي انسحاب كامل غير وارد.
لكن هذا المقترح يثير إشكالات قانونية وسياسية خطيرة:
انتهاك السيادة: توسيع المنطقة العازلة داخل الأراضي السورية يعني عمليًا التنازل عن شريط سيادي جديد، ما قد يُفسّر كمساس بوحدة البلاد.
سابقة خطرة: القبول بحظر الطيران السوري في جزء من مجاله الجوي يفتح الباب أمام “تقسيم سيادة” على مراحل.
المظلة الأممية: إدخال الأمم المتحدة كضامن قد يمنح الاتفاق شرعية دولية، لكنه قد يُضعف قدرة دمشق على التراجع إذا استغلت إسرائيل ذلك لتكريس أمر واقع.
الأبعاد الإقليمية والدولية
الدور الأميركي: واشنطن التي تراقب هذه المفاوضات من بعيد، قد ترى في الاتفاق فرصة لتخفيف التصعيد في الجبهة الشمالية وتعزيز أمن إسرائيل، لكنّها ستصطدم بمطالب روسية–إيرانية معاكسة.
الموقف الروسي والإيراني: كلاهما له وجود عسكري مباشر في سوريا، ولن ينظر بعين الرضا لأي اتفاق يقلّص النفوذ أو يفرض قيودًا على حركة حلفائهما.
الأمم المتحدة: إذا تحوّل الاتفاق إلى ملف أمام مجلس الأمن، فقد يكون اختبارًا لقدرة المجتمع الدولي على فرض حلول وسط في منطقة مشبعة بالتعقيدات.
السيناريوهات المحتملة
قبول مشروط: قد توافق دمشق على صيغة معدّلة تُبقي على منطقة عازلة محدودة مع إشراف أممي، شرط إنهاء أي وجود إسرائيلي خارج الجولان.
تعثر المفاوضات: إذا أصرت إسرائيل على الاحتفاظ بجبل الشيخ وفرض الحظر الجوي الكامل، قد تنهار المحادثات سريعًا.
تسوية مؤقتة: من الممكن الوصول إلى هدنة أمنية مرحلية تؤسس لمفاوضات أوسع تشمل قضايا الحدود والمياه واللاجئين.
ويرى مراقبون أن وصف الشرع للاتفاق المرتقب بأنه “ضرورة” يعكس إدراك دمشق لحجم الضغوط والتحديات الأمنية التي تواجهها.
لكن الضرورة لا تعني التنازل غير المشروط. فالتاريخ يثبت أن الاتفاقات الأمنية التي تُبنى على اختلال في ميزان القوى دون ضمانات كافية تتحول إلى عبء على المدى الطويل.
وعليه، فإن المفاوضات الحالية تقف عند منعطف حاسم: إما أن تنتج صيغة تُعيد لسوريا بعضًا من استقرارها مع ضمان السيادة، أو أن تتحول إلى أداة لتكريس هيمنة إسرائيلية جديدة على الجنوب السوري. في كلتا الحالتين، فإن ما سيجري في الأيام المقبلة لن يكون مجرد اتفاق ثنائي، بل رسالة إقليمية ودولية ستحدد مسار الصراع لعقود مقبلة.
الرابط المختصر https://gulfnews24.net/?p=72754



