المال والأعمال

شريان الغاز القطري إلى ألمانيا في مهب الريح: توجيه أوروبي يهدد اتفاق التوريد

يواجه اتفاق الغاز الذي أُبرم بين قطر وألمانيا في نوفمبر 2022 خطر الانهيار، بعد تصاعد الخلاف بين الدوحة والاتحاد الأوروبي بشأن تشريع جديد يُلزم الشركات العالمية باحترام معايير حقوق الإنسان والمناخ في سلاسل التوريد.

وكان الاتفاق يقضي بتوريد قطر لما يصل إلى مليوني طن سنويًا من الغاز الطبيعي المسال (LNG) إلى ألمانيا، بدءًا من عام 2026، ضمن خطة أوروبية لتقليل الاعتماد على الغاز الروسي عقب غزو أوكرانيا. غير أن الدوحة هددت مؤخرًا بإعادة توجيه صادراتها إلى أسواق “أكثر ملاءمة”، ما يضع مستقبل الاتفاق في دائرة الخطر.

قانون “العناية الواجبة” يثير أزمة مع الدوحة

الخلاف يتمحور حول توجيه الاتحاد الأوروبي المعروف باسم CSDDD، والذي يلزم الشركات الكبرى بفحص سلاسل التوريد الخاصة بها لرصد أي انتهاكات لحقوق الإنسان أو أضرار بيئية، ووضع خطط مناخية تتماشى مع اتفاق باريس للمناخ.

وبحسب صحيفة Welt am Sonntag الألمانية، فقد بعثت السلطات القطرية رسائل احتجاج رسمية إلى عدة دول أوروبية، محذرة من أن القانون الجديد يشكّل عبئًا قانونيًا ومناخيًا مفرطًا، ويهدد استقرار العقود الموقّعة، خاصة مع شركة “قطر للطاقة”، أكبر منتج للغاز الطبيعي المسال في العالم.

وقالت قطر إن التشريع الأوروبي “يتجاوز أهداف اتفاق باريس”، محذّرة من أن الغرامات المرتفعة والعقوبات المدنية التي ينص عليها قد تُعرّض الشركة لخسائر كبيرة. وبموجب القانون، يمكن فرض غرامة تصل إلى 5% من الإيرادات السنوية العالمية لأي شركة لا تمتثل للتوجيه، ما يعني أن “قطر للطاقة” قد تواجه غرامة تفوق 2.4 مليار دولار، استنادًا إلى إيراداتها البالغة 48.6 مليار دولار في 2024.

قلق أوروبي وتوتر في التوقيت

تحذير قطر يأتي في توقيت حساس، إذ بدأت ألمانيا بالفعل بناء أولى محطاتها الخاصة لاستقبال الغاز الطبيعي المسال، وكان يُتوقع أن يشكّل الغاز القطري جزءًا رئيسيًا من استراتيجيتها المستقبلية للطاقة.

وقال أندرياس غولدتو، أستاذ السياسات العامة في جامعة إرفورت الألمانية، لقناة DW:

“قطر وبعض الدول الأخرى لا تزال تفتقر إلى مسارات واضحة نحو الحياد الكربوني، مما يجعلها عرضة للغرامات… والاتحاد الأوروبي قد يطلب من الشركات الأوروبية حجب المدفوعات كوسيلة ضغط غير مباشرة.”

من جانبه، رأى تييري بروس، أستاذ الطاقة في جامعة ساينس بو بباريس، أن قطر “تتصرف بواقعية”، مضيفًا:

“الدوحة اختارت التحرك مبكرًا لحماية عقودها الاستراتيجية، خاصة في ظل هشاشة سوق الطاقة الأوروبية.”

الاتحاد الأوروبي يتراجع مؤقتًا

تحت ضغط من دول كبرى مثل ألمانيا وفرنسا، قررت المفوضية الأوروبية تأجيل تطبيق التوجيه إلى عام 2028 بدلاً من 2026، وإعفاء الشركات الأصغر مؤقتًا من بعض الشروط. غير أن قطر تصر على استثناءات كاملة، معتبرة أن القيود الجديدة تُقوّض دور الغاز الطبيعي بوصفه “وقودًا انتقاليًا”.

كما تُلمّح الدوحة إلى توجّه محتمل نحو أسواق بديلة في آسيا، حيث الطلب متصاعد ومتطلبات الامتثال أقل تعقيدًا. ويؤكد محللون أن سوق الغاز سيظل ضيقًا حتى عام 2028 على الأقل، ما يمنح قطر نفوذًا تفاوضيًا واسعًا في ظل حاجة أوروبا لتأمين إمدادات مستقرة.

منافسة أمريكية وضغوط جيوسياسية

في خضم التوتر، أعلنت بروكسل عن اتفاق مع واشنطن لاستيراد غاز أمريكي بقيمة 750 مليار دولار ضمن حزمة تجارية، ما يُعد ضربة للمصدرين الآخرين، وبينهم قطر. ومع ذلك، يرى بعض الخبراء أن الطلب الأوروبي الهائل على الطاقة يفتح المجال أمام تنويع المصادر دون استبعاد أي طرف تمامًا.

مستقبل الصفقة على المحك

بين مساعي بروكسل لتطبيق معايير الاستدامة، وحرص الدوحة على حماية نموذجها الاقتصادي المعتمد على الغاز، يبدو أن الصفقة القطرية – الألمانية دخلت مرحلة إعادة التقييم الشامل.
وفي ظل غياب توافق واضح، يبقى شريان الغاز القطري إلى أوروبا معلقًا على مفترق طرق قانوني وتجاري حساس، فيما يترقب المستهلك الأوروبي نتائج هذا السجال على فاتورة الطاقة في الشتاء القادم.

الرابط المختصر https://gulfnews24.net/?p=72195

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى