السعودية تلجأ إلى حليف مسلح نووياً مع تراجع المظلة الأمريكية
وقّعت المملكة العربية السعودية وباكستان اتفاقية دفاع مشترك وُصفت بأنها شاملة، وسط مؤشرات على أن الرياض باتت تبحث عن بدائل لأمنها بعيدًا عن المظلة الأمريكية التقليدية التي اعتمدت عليها لعقود.
وتضمنت الاتفاقية التي وُقعت يوم الأربعاء الماضي، مجالات التعاون الدفاعي كافة: من الصناعات العسكرية والإنتاج المشترك إلى التدريب وبناء القدرات، بل وُصفت من قبل مسؤول سعودي بأنها “تشمل جميع الوسائل العسكرية”.
وأعاد هذا التطور إلى الأذهان علاقة تعود إلى أكثر من ربع قرن، حين دعمت السعودية باكستان ماليًا بعد تجاربها النووية الأولى عام 1998.
حينها، واجهت إسلام آباد عزلة دولية قاسية، لكن الملك فهد بن عبد العزيز تعهّد بدعمها “بأكثر مما تتوقعون”، وفق شهادة السفير الباكستاني السابق خالد محمود. وفي اليوم التالي، تدفقت 3.4 مليار دولار من الدعم السعودي، وهو ما مكّن باكستان من الاستمرار في برنامجها النووي رغم العقوبات.
بالنسبة لكثيرين، شكل ذلك الموقف أساسًا للنظر إلى باكستان كدرع نووي محتمل للمملكة. واليوم، مع توقيع اتفاقية دفاع جديدة، تجددت التكهنات حول ما إذا كانت السعودية قد وضعت نفسها رسميًا تحت المظلة النووية لباكستان.
لحظة توقيع مفعمة بالرمزية
جاء توقيع الاتفاقية في توقيت بالغ الحساسية: بعد أسبوع فقط من الضربة الإسرائيلية غير المسبوقة على قطر، الحليف الوثيق للولايات المتحدة، والتي كشفت حدود الحماية الأمريكية.
وبالنسبة للمراقبين، فإن هذه اللحظة الرمزية لا تقل أهمية عن مضمون الاتفاقية، إذ تشير إلى أن السعودية تعيد رسم حساباتها الاستراتيجية بعيدًا عن الاعتماد الكلي على واشنطن.
وأكد الملحق الإعلامي في السفارة السعودية بإسلام آباد، جمال الحربي، أن الاتفاقية تعكس “التعاون العميق في مجال الصناعات الدفاعية ونقل التكنولوجيا”، مشددًا على أن التدريب وبناء القدرات يمثلان جانبًا أساسيًا منها.
من ترامب إلى بايدن: وعود متقطعة وخيبات متراكمة
لطالما سعت السعودية ودول الخليج إلى ضمانة أمنية أمريكية مكتوبة، لكن هذه المساعي لم تثمر. في الولاية الأولى للرئيس دونالد ترامب، سادت آمال بأن واشنطن ستكون أكثر حزمًا في مواجهة إيران.
بالفعل، انسحب ترامب من الاتفاق النووي الإيراني وأمر باغتيال قاسم سليماني، إلا أن اختباره الحقيقي جاء في سبتمبر 2019 عندما تعرضت منشآت نفطية سعودية لهجوم بالصواريخ والطائرات المسيّرة نُسب إلى إيران، أدى إلى توقف نصف إنتاج المملكة من النفط.
النتيجة كانت خيبة أمل كبيرة: لم يصدر عن إدارة ترامب سوى بيانات إدانة، بلا رد عسكري رادع. بالنسبة للرياض، كان ذلك إنذارًا مبكرًا بأن المظلة الأمريكية لم تعد كما كانت.
ومع وصول الرئيس جو بايدن، سعت السعودية والإمارات مجددًا للحصول على التزام أمني مكتوب، لكن دون جدوى. ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وجّه تحذيرًا علنيًا في 2023 حين قال لشبكة “فوكس نيوز”: “قوة السعودية تعني قوة أمريكا، وأنتم لا تريدون لذلك أن يتغير”. الرسالة كانت واضحة: استمرار تجاهل المخاوف الأمنية الخليجية سيدفع الرياض للبحث عن بدائل.
عودة ترامب بلا ضمانات
عندما عاد ترامب إلى البيت الأبيض، جددت السعودية آمالها بعقد اتفاقية دفاع رسمية، واستقبلته استقبالاً ملكيًا في أولى جولاته الخارجية.
غير أن النتائج لم تتطابق مع التوقعات؛ لم تحصل المملكة على الضمانة التي سعت إليها، بينما واصل ترامب سياسة مزيج من التصريحات الحادة والتحركات المترددة.
في الوقت ذاته، أعلن ترامب التزامه العلني بحماية قطر، لكنه فشل في منع هجمات إيرانية وإسرائيلية استهدفت الخليج خلال أشهر قليلة. بالنسبة للرياض، كان ذلك مؤشرًا إضافيًا على أن الاعتماد الحصري على واشنطن لم يعد خيارًا آمنًا.
قاعدة العديد: رادع يتحول إلى عبء
منذ سنوات، اعتُبرت قاعدة العديد الجوية في قطر – أكبر قاعدة أمريكية في الشرق الأوسط – بمثابة مظلة حماية إقليمية. لكن التطورات الأخيرة أظهرت حدود هذه المظلة.
في يونيو الماضي، تعرضت القاعدة نفسها لضربة إيرانية ردًا على هجوم أمريكي على مواقع نووية إيرانية، ما كشف هشاشة الردع الأمريكي.
وفي سبتمبر، جاءت الضربة الإسرائيلية على قطر لتؤكد أن وجود القوات الأمريكية لم يمنع تهديدًا مباشرًا لدولة خليجية حليفة.
كل هذه الوقائع دفعت السعودية لإعادة تقييم خياراتها الدفاعية. توقيع اتفاقية دفاع مع باكستان، الدولة المسلحة نوويًا، ليس مجرد اتفاق تقني حول التدريب أو نقل التكنولوجيا؛ بل هو رسالة سياسية قوية بأن الرياض لم تعد ترى نفسها رهينة خيار واحد، وأنها مستعدة للتوجه نحو تحالفات جديدة إذا لم تُلبَّ مخاوفها الأمنية.
الرابط المختصر https://gulfnews24.net/?p=72760



