السعودية تخطف الأضواء باستضافتها بطولة كأس العالم للرياضات الإلكترونية
وسط أجواء حماسية في العاصمة الرياض، خطفت السعودية هذا الأسبوع الأضواء مجددًا باستضافتها بطولة كأس العالم للرياضات الإلكترونية، الحدث الأضخم من نوعه عالميًا والذي جمع آلاف اللاعبين من مختلف البلدان للتنافس في عشرات ألعاب الفيديو على جوائز مالية ضخمة بلغت قيمتها الإجمالية نحو 70 مليون دولار.
ولم يكن الحدث مجرد بطولة رياضية أو ترفيهية، بل حلقة جديدة ضمن سلسلة استراتيجية سعودية أوسع هدفها الاستيلاء على صناعة الألعاب الإلكترونية عالميًا، في إطار مشروع اقتصادي طموح يتجاوز النفط ويستهدف بناء «قوة ناعمة» للمملكة في عالم متغير.
بحسب تقرير لصحيفة الأوبزرفر، فإن بطولة هذا الأسبوع تأتي ضمن أكثر من 100 فعالية رياضية كبرى استضافتها السعودية خلال السنوات الست الماضية، في محاولة لتغيير صورتها عالميًا، وجذب الشباب داخليًا وخارجيًا إلى رؤية ولي العهد محمد بن سلمان الطموحة.
استثمارات بمليارات الدولارات
أعلنت السعودية عن خطة ضخمة لإنفاق 38 مليار دولار على قطاع الألعاب الإلكترونية بحلول عام 2030، من خلال صندوق الاستثمارات العامة السعودي، الذراع المالية الرئيسة للمملكة.
ويتولى تنفيذ هذه الخطة شركة تابعة للصندوق هي Savvy Games Group، التي تحولت سريعًا إلى لاعب عالمي مؤثر في صناعة الألعاب.
فقد استحوذت المملكة عبر هذه الشركة على حصص ضخمة في شركات الألعاب العملاقة، مثل نينتندو اليابانية، وتيك-تو إنترأكتيف الأميركية، وأكتيفيجن بليزارد، وإلكترونيك آرتس.
كما قامت المملكة بشراء شركات كاملة، إلى جانب بناء بنية تحتية محلية ضخمة، من أبرزها مدينة نيوم المستقبلية على ساحل البحر الأحمر، والتي تُخطط لتكون مركزًا إقليميًا لصناعة الألعاب وصناعات تكنولوجية أخرى.
ويؤكد الخبير في اقتصاديات صناعة الألعاب جوست فان درونن لـ الأوبزرفر: “الألعاب الإلكترونية هي رهان السعودية على اقتصاد ما بعد النفط، وطريقة لتعزيز قوتها الناعمة. الأمر لا يتعلق فقط بالعائدات المالية، بل بالتموقع والقدرة على التأثير”.
شغف شخصي لولي العهد
لا ينفصل هذا التوجه عن شخصية ولي العهد محمد بن سلمان، المعروف بشغفه الشخصي بالألعاب الإلكترونية، إذ يُقال إنه نشأ وهو يلعب Age of Empires، وهي واحدة من الألعاب الاستراتيجية الشهيرة.
ويشير الصحفي والكاتب برادلي هوب، مؤلف كتاب عن صعود ولي العهد، إلى تأثير اهتمامات محمد بن سلمان الشخصية على قرارات الدولة، قائلاً: “العديد من المبادرات التي تطلقها السعودية تنبع من اهتماماته الشخصية”.
وأضاف هوب أن قطاع الألعاب يلقى رواجًا واسعًا في السعودية، خاصة في بلد يقل متوسط عمر سكانه عن 27 عامًا، قائلاً: “الفئة التي تشكل قاعدته الأساسية هي جيل الألفية وجيل زد، وهو دائمًا ما يقوم بأشياء تقول لهم: ’أنا معكم‘”.
صناعة عالمية تبحث عن شريان حياة
يأتي هذا الانغماس السعودي في صناعة الألعاب في وقت حساس للغاية للصناعة عالميًا، إذ تواجه شركات الألعاب تباطؤًا في النمو، وتسريحًا جماعيًا للموظفين، وإغلاق استوديوهات تطوير عديدة.
وفي هذا السياق، تُشكل الاستثمارات السعودية بالنسبة للكثير من الشركات العالمية شريان حياة ثمين يضمن لها الاستمرار، خاصة وأن صناعة الألعاب تتطلب ضخ أموال ضخمة، وتتحمل فترات انتظار طويلة بين تطوير وإطلاق ألعاب جديدة أو أجهزة كونسول.
وترى الأوبزرفر أن الرؤية السعودية تتوافق تمامًا مع طبيعة هذه الصناعة، لأن المملكة تستثمر على المدى الطويل، بعكس مستثمرين آخرين يبحثون عن أرباح سريعة.
الجانب المظلم… مخاوف حقوقية
لكن استحواذ السعودية على مساحات واسعة من صناعة الألعاب يثير في المقابل قلقًا واسعًا، خاصة على صعيد حقوق الإنسان وحرية التعبير.
إذ يرى منتقدون أن السعودية توظف استثماراتها الضخمة في الرياضات الإلكترونية كجزء من استراتيجيتها لتحسين صورتها عالميًا، رغم سجلها في قمع الحريات.
يشير التقرير إلى أن السعودية، عبر Savvy Games Group، باتت تمتلك حوالي 40% من سوق الرياضات الإلكترونية، ما يجعلها قادرة على التأثير بشكل مباشر في محتوى الأحداث والفعاليات، وفرض قيود غير مباشرة على اللاعبين أو الفرق أو الجهات التي تحاول اتخاذ مواقف سياسية أو اجتماعية تتعارض مع التوجهات السعودية.
وتبرز الأوبزرفر مثالًا صارخًا على ذلك في فيلم وثائقي حديث عُرض على منصة أمازون برايم حول بطولة كأس العالم للرياضات الإلكترونية.
إذ يتحدث أحد المديرين التنفيذيين المشاركين في فريق Team Liquid مطولًا عن نشأته كرجل مثلي في الولايات المتحدة، وكيف كانت الألعاب الإلكترونية بالنسبة له ملاذًا آمنًا.
إلا أن النسخة التي عُرضت من الفيلم في السعودية حُذفت منها هذه المقاطع بالكامل، في خطوة تُظهر الرقابة الصارمة التي قد ترافق الاستثمارات السعودية في صناعة يُفترض أن تكون مساحة مفتوحة للتعبير عن التنوع.
وترى الأوبزرفر أن السعودية أصبحت قوة يحسب لها حساب في عالم الألعاب الإلكترونية، ليس فقط بأموالها الضخمة، بل بقدرتها على تشكيل قواعد اللعبة نفسها.
وبينما ترى الشركات العالمية في الأموال السعودية فرصة إنقاذ، يظل السؤال الكبير: هل يمكن لصناعة الألعاب، التي بُنيت تاريخيًا على التنوع والانفتاح، أن تظل حرة ومستقلة في ظل نفوذ دولة لا تتسامح مع المعارضة أو حرية التعبير؟.
الرابط المختصر https://gulfnews24.net/?p=71963



