السياسة الدولية

كيف تحوّل الضمان الأمني الأميركي للسعودية إلى صفقة تُلزم واشنطن بقرارات رجل واحد؟

يقدّم الاتفاق الدفاعي الأميركي–السعودي المرتقب صورة نموذجية عن التحولات المعقّدة في العلاقات الدولية حين تختلط القوة المالية بالنفوذ السياسي وتداخل المصالح الأمنية.

فبحسب ما تشرحه الناشطة الحقوقية سارة ليا ويتسن في مجلة فورين بوليسي، فإن صعود ولي العهد السعودي محمد بن سلمان من موقع “المنبوذ العالمي” بعد جريمة قتل جمال خاشقجي إلى موقع “الضيف المنتصر” في واشنطن، يكشف حجم الانعطافة التي تعيشها السياسة الأميركية تجاه الرياض، رغم كل الوعود السابقة بالابتعاد عن الشرق الأوسط ومحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات.

وتبدو العودة السعودية إلى قلب السياسة الأميركية ليست نتيجة تغير جوهري في سلوك الحكم داخل المملكة، بل نتيجة استراتيجية واعية استخدمت فيها الرياض أدواتها المالية لتوسيع نفوذها داخل الأسواق الأميركية ومؤسساتها.

فحتى بعد نشر تقرير الاستخبارات الأميركية الذي حمّل بن سلمان مسؤولية قتل خاشقجي، وتبنّي إدارة بايدن “حظر خاشقجي”، استمر البيت الأبيض في تجنب فرض عقوبات مباشرة على ولي العهد.

ومع مرور الوقت، انتقلت الإدارة نفسها من التنديد بالرياض إلى محاولة الحفاظ على العلاقات التقليدية معها، خصوصًا مع ضغط أسعار النفط قبيل انتخابات التجديد النصفي.

وتشير ويتسون إلى أن عودة بن سلمان إلى الساحة الأميركية تمت عبر مسارين متوازيين: الأول سياسي وأمني، والثاني اقتصادي ومالي. فالرياض لم تكتفِ بإصلاحات اجتماعية داخلية—كالتحرر النسبي للمرأة أو السماح بالترفيه—بل ضخت عبر صندوق الاستثمارات العامة مئات المليارات في مجالات المال والتقنية والترفيه والرياضة في الولايات المتحدة.

وتقول إن هذه الاستثمارات، التي تتجاوز قيمتها تريليون دولار في أصول الصندوق، لم تكن مجرد محاولات “غسيل سمعة”، بل أدوات تأثير حقيقية جعلت قطاعًا واسعًا من الشركات الأميركية مرتبطًا بعقود ومصالح يصعب التفلت منها.

وقد تطوّر هذا النفوذ الاقتصادي إلى نفوذ سياسي، خصوصًا مع دخول مسؤولين أميركيين سابقين في علاقات عمل مع مؤسسات سعودية، وصولًا إلى علاقات مالية مباشرة مع شخصيات من عائلة ترامب. هذا الواقع، بحسب التحليل، جعل “المؤسسة الأميركية” أكثر ترددًا في الحفاظ على مسافة نقدية من الرياض.

وعلى المستوى الأمني، ومع عودة ترامب إلى السلطة، بدا أن الطريق صار ممهدًا أمام إتمام الاتفاق الدفاعي، رغم أن واشنطن لا تستطيع منح الرياض “معاهدة دفاع” رسمية بسبب رفض الحكومة الإسرائيلية لاتفاق تطبيع واسع معها.

إلا أن الصيغة المطروحة تشبه التزامًا مشابهًا لذلك الممنوح لقطر: وعدٌ أميركي بالدفاع العسكري عن السعودية إذا تعرضت لهجوم، إلى جانب حزم تسليح متقدمة تشمل مقاتلات F-35، وإبعاد الصين عن المشاريع الدفاعية السعودية.

وتكمن الإشكالية الأساسية—كما تبرز الكاتبة—في أن هذا الاتفاق لا يرسّخ الاستقرار، بل يخلق علاقة غير متوازنة: السعودية تحصل على حماية، فيما تحصل الولايات المتحدة على التزام سياسي وعسكري طويل الأمد يرتبط بشخص واحد يتحكم بمفاصل الدولة بلا مؤسسات ولا محاسبة.

وتُذكّر ويتسون بأن المملكة ما تزال تُدار كديكتاتورية مطلقة، حيث يستطيع القاضي إصدار أحكام تصل إلى الإعدام دون قانون جنائي مكتوب، وحيث لا يستطيع المواطنون الانخراط السياسي أو انتقاد القيادة دون مواجهة تهم الإرهاب.

ففي عام 2025 وحده، سُجّل 322 حكم إعدام، من دون أن يشكل هذا أي حافز لتغيير سياسي داخلي أو انفتاح على استقلالية القضاء. كما لم تُحاسَب المملكة على حرب اليمن أو على قتل خاشقجي أو على اعتقال النشطاء.

أما التهديد الأكبر، وفق التحليل، فهو أن الاتفاق سيجرّ الولايات المتحدة إلى التورط المباشر في نزاعات إقليمية قد لا تختارها واشنطن ولا تتحكم بها، بل تصنعها حسابات داخلية سعودية أو سياسات إقليمية متهورة.

ويخشى الخبراء أن يؤدي الضمان الأمني إلى شعور سعودي بالإفلات من العقاب، وربما إلى مغامرات سياسية أو عسكرية تحت مظلة الحماية الأميركية.

وتختتم بالتأكيد أن الشعب الأميركي— وليس الشركات الكبرى—هو من سيتحمل الكلفة الحقيقية للاتفاق. فالتزامات الدفاع والانتشار العسكري والانعكاسات الدبلوماسية ليست مجانية، بل تأتي على حساب مصالح دافعي الضرائب الأميركيين.

وبذلك لا يعزز الاتفاق الأمن الأميركي ولا يخفض التوتر في الشرق الأوسط، بل يرسّخ نموذجًا تصبح فيه القوة الأميركية أداة لخدمة رأس المال، لا لخدمة المواطنين أو تحقيق استقرار مستدام.

الرابط المختصر https://gulfnews24.net/?p=73090

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى