ذا كونفرسيشن: اليمن ساحة هادئة لتسجيل النقاط بين مشروعين متباينين للسعودية والإمارات
تحوّل اليمن، خلال العقد الأخير، من دولة هشة تعاني أزمات بنيوية مزمنة إلى ساحة مفتوحة لتقاطع مشاريع إقليمية خليجية، تتقدم فيها الحسابات الجيوسياسية بهدوء نسبي، بعيداً عن الشعارات المعلنة.
ووفق تحليل نشرته منصة ذا كونفرسيشن، فإن الحرب في اليمن لم تكن مساراً واحداً ذا هدف مشترك، بل مسرحاً لتنافس غير مباشر بين مشروعين خليجيين مختلفين في الرؤية والأدوات: المشروع السعودي، والمشروع الإماراتي.
وأشارت المنصة إلى أنه منذ انطلاق التدخل العسكري في مارس/آذار 2015، أعلنت السعودية أن هدفها الأساسي يتمثل في هزيمة جماعة الحوثي، ومنع تحول اليمن إلى منصة نفوذ إيراني على حدودها الجنوبية، إضافة إلى “إنقاذ الدولة اليمنية الموحدة” وإعادة الحكومة المعترف بها دولياً إلى صنعاء.
وبالنسبة للرياض، شكّل اليمن عمقاً أمنياً حساساً، وحدوده الممتدة مصدر قلق دائم، سواء من حيث الصواريخ والطائرات المسيّرة أو من حيث الفوضى الأمنية العابرة للحدود.
وقد جعل هذا التصور السعودية تنظر إلى اليمن كوحدة جغرافية وسياسية واحدة، ترى أن انهيارها الكامل سيترتب عليه ثمن أمني باهظ. لذلك، راهنت على دعم مؤسسات الدولة الرسمية، والجيش الوطني، وعلى مسار سياسي يُبقي اليمن موحداً، ولو شكلياً، تحت سلطة مركزية يمكن التعامل معها مستقبلاً.
في المقابل، دخلت الإمارات الحرب بأجندة مختلفة، أكثر براغماتية وأقل ارتباطاً بفكرة “الدولة اليمنية الموحدة”. فبحسب التحليل، ركزت أبوظبي منذ البداية على تأمين شركاء محليين موثوقين، وبناء شبكات نفوذ مباشرة على الأرض، خصوصاً في الجنوب والسواحل.
ولم يكن هاجس الإمارات هو صنعاء بقدر ما كان الموانئ، والممرات البحرية، ومناطق النفوذ الاقتصادي والأمني.
وقد انعكس هذا التباين بوضوح في خريطة الانتشار العسكري والسياسي. بينما انخرطت السعودية في معارك الشمال، ودعمت جبهات مواجهة الحوثيين في مأرب والجوف وتعز، ركزت الإمارات على عدن، وسقطرى، والمخا، والمكلا، وباب المندب.
فأبوظبي دعمت تشكيلات عسكرية محلية خارج إطار الجيش اليمني، مثل قوات الحزام الأمني والنخب المختلفة، وصولاً إلى المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي أصبح لاحقاً أبرز حلفائها السياسيين.
يرى التحليل أن الإمارات تعاملت مع اليمن كجزء من سياستها الإقليمية الأوسع، القائمة على السيطرة على سلاسل الإمداد البحرية، وتأمين الموانئ الاستراتيجية الممتدة من القرن الأفريقي إلى البحر الأحمر. من هذا المنظور، لم يكن جنوب اليمن مجرد ساحة حرب، بل حلقة محورية في شبكة نفوذ بحرية وتجارية تسعى أبوظبي إلى ترسيخها.
ومع مرور الوقت، تحوّل هذا الاختلاف في الرؤية إلى تناقض عملي على الأرض. ففي حين كانت السعودية تضغط باتجاه الحفاظ على حكومة واحدة، وجدت نفسها مضطرة للتعايش مع واقع تفرضه الإمارات عبر حلفائها المحليين. اتفاق الرياض عام 2019 جاء كمحاولة لاحتواء هذا التناقض، لكنه لم يُلغِ جذوره، بل أداره مؤقتاً.
ويشير تحليل ذا كونفرسيشن إلى أن اليمن أصبح “ساحة هادئة لتسجيل النقاط”، ليس عبر مواجهة مباشرة بين الرياض وأبوظبي، بل عبر إعادة تشكيل النفوذ بهدوء.
فالإمارات، بعد تقليص وجودها العسكري المباشر، حافظت على تأثيرها من خلال وكلاء محليين أقوياء، بينما بقيت السعودية عالقة في ملف معقد مع الحوثيين، يتأرجح بين الحرب والتفاوض.
هذا الواقع أفضى إلى نتيجة لافتة: لا منتصر واضح في اليمن، ولا دولة مستقرة. الحوثيون يرسخون سلطتهم في الشمال، الجنوب يتحول إلى كيان شبه مستقل بتوازنات داخلية معقدة، والسعودية تبحث عن مخرج يقلل خسائرها، فيما تواصل الإمارات جني مكاسب جيوسياسية هادئة بأقل كلفة ممكنة.
في المحصلة، يكشف المشهد اليمني أن التحالفات العسكرية لا تعني بالضرورة وحدة الأهداف. فبين مشروع سعودي يركز على الأمن الحدودي والدولة، ومشروع إماراتي يركز على النفوذ والموانئ والشركاء المحليين، وجد اليمن نفسه ساحة اختبار لمعادلات إقليمية، يدفع ثمنها شعب أنهكته الحرب والانقسام، بينما تُدار اللعبة من فوق، بهدوء وحسابات باردة.
الرابط المختصر https://gulfnews24.net/?p=73329



