المال والأعمال

سوق السندات السعودية تشهد نموًا بطيئًا وسط هيمنة الإقراض المصرفي

تسعى السعودية جاهدة لتنشيط سوق السندات المحلية المقومة بالريال السعودي، إلا أن هذا المسعى لا يزال يواجه وتيرة نمو بطيئة، في وقت يواصل فيه كل من المقرضين والمقترضين تفضيل القروض المباشرة من البنوك على اللجوء إلى أسواق الدين العامة، بحسب تقرير حديث نشرته منصة سيمافور ونقلته وكالة التصنيف الائتماني S&P Global Ratings.

وبحسب التقرير، تظل سوق السندات والصكوك السعودية محدودة الحجم والنشاط مقارنةً بحجم الاقتصاد السعودي وأهدافه الطموحة لتنويع مصادر التمويل بعيدًا عن النفط.

إذ تتركز غالبية الإصدارات في السوق المحلية بين كيانات مرتبطة بالحكومة، مثل الشركات شبه الحكومية والمؤسسات الكبرى، بينما لا تشكل الشركات غير المالية سوى نحو 10% فقط من إجمالي الإصدارات.

الشركات غير المالية خارج المعادلة

أوضحت وكالة S&P أن ضعف مشاركة القطاع الخاص غير المالي يعكس عدة أسباب، أبرزها وفرة السيولة المصرفية التي تتيح للشركات الكبرى والمتوسطة الحصول على تمويل مباشر بشروط تنافسية دون الحاجة لتحمل تكاليف ومتطلبات الإصدار العام للسندات أو الصكوك.

وترى الوكالة أن هذه الشركات لا تزال مترددة في الانفتاح على أسواق الدين العامة، إما بسبب قلة الخبرة في التعامل مع متطلبات الإفصاح والشفافية أو بسبب غياب الحوافز الاقتصادية الكافية.

ويقول أحد المحللين الماليين العاملين في الرياض، رفض ذكر اسمه: “لا يزال التمويل المصرفي الخيار الأسهل والأرخص والأسرع لمعظم الشركات السعودية. سوق السندات هنا ما زالت أداة تستخدمها الحكومة أو الشركات الكبرى المملوكة لها لجمع التمويل، لكنها بعيدة عن أن تصبح مصدرًا تمويليًا واسع الاستخدام في القطاع الخاص.”

قيود تنظيمية وبنية تحتية ضعيفة

رغم الإصلاحات المستمرة التي تنفذها هيئة السوق المالية السعودية، لا يزال عدد المستثمرين الأجانب في السوق محدودًا، فضلاً عن ضعف مستويات السيولة والتداول في السوق الثانوية.

ويرجع ذلك جزئيًا، وفقًا لتقرير S&P، إلى اللوائح التنظيمية المرهقة، والإجراءات المطولة التي تحكم عمليات الطرح والتسجيل والإفصاح، إلى جانب بنية تحتية سوقية توصف بأنها “غير مكتملة” مقارنة بأسواق السندات الأكثر نضجًا في المنطقة أو عالميًا.

وتشير الوكالة إلى أن محدودية السيولة في السوق الثانوية تعرقل تطوير سوق سندات ديناميكية، إذ يجد المستثمرون صعوبة في تسييل استثماراتهم عند الحاجة، ما يجعلهم يترددون في الدخول إلى السوق من الأساس.

إصلاحات منتظرة وأهداف طموحة

رغم التحديات، تؤكد S&P أن هناك جهودًا جادة تُبذل لتطوير سوق السندات السعودية، بما يتماشى مع رؤية المملكة 2030 الهادفة إلى تنويع مصادر التمويل وتقليل الاعتماد على عائدات النفط.

وتتركز هذه الإصلاحات في تحديث اللوائح التنظيمية، وتحسين البنية التحتية للسوق، وزيادة الشفافية والإفصاح، وتشجيع الشركات الخاصة على دخول سوق الدين.

وأشارت الوكالة إلى أن المملكة تهدف إلى خلق سوق سندات نشطة توفر بدائل تمويلية طويلة الأجل للشركات والحكومة على حد سواء، وهو أمر حيوي لتوسيع قاعدة المستثمرين المحليين والدوليين، ولجذب المزيد من التدفقات الرأسمالية إلى الاقتصاد السعودي.

خطوات لتحفيز الشركات والمستثمرين

من بين التوصيات التي أوردتها S&P لتسريع تطوير السوق، تبسيط الإجراءات التنظيمية، وإطلاق أدوات مالية جديدة، مثل سندات قصيرة الأجل أو أدوات دين مبتكرة تلبي احتياجات الشركات الصغيرة والمتوسطة، فضلاً عن تعزيز دور وكالات التصنيف المحلية لتقليل الاعتماد على الوكالات الدولية ذات التكاليف المرتفعة.

كما دعت الوكالة إلى إطلاق حملات توعية وتدريب للشركات حول مزايا التمويل عبر سوق السندات، إضافة إلى العمل على تحسين مستويات الشفافية والإفصاح لإكساب السوق مزيدًا من المصداقية والثقة لدى المستثمرين.

ويرى خبراء أن نجاح السعودية في تنشيط سوق السندات سيعزز من قدرة الاقتصاد على استقطاب رؤوس أموال طويلة الأجل، وسيوفر خيارات أوسع للشركات بعيدًا عن القروض المصرفية التقليدية، لكن تحقيق هذا الهدف يظل مرهونًا بوتيرة الإصلاحات ومدى تجاوب القطاع الخاص مع هذه الجهود.

وفي ظل استمرار التحديات، يبدو أن سوق السندات السعودية لا تزال أمامها طريق طويل قبل أن تتحول إلى بديل حقيقي للتمويل المصرفي، وتصبح إحدى الدعائم الأساسية لتنويع الاقتصاد الوطني.

الرابط المختصر https://gulfnews24.net/?p=71902

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى