كيف يمكن لمحاولات ترامب للسيطرة على الاحتياطي الفيدرالي أن تؤثر على المقترضين الخليجيين؟
أثار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب جدلاً واسعًا بعد إقالته ليزا كوك، محافظة بنك الاحتياطي الفيدرالي، في خطوة غير مسبوقة بتاريخ المؤسسة النقدية الأمريكية. وقد برر ترامب قراره بادعاءات تتعلق بفضيحة رهن عقاري، فيما أكدت كوك أنها سترفع دعوى قضائية، مشددة أن الرئيس لا يملك الصلاحية لعزلها.
هذه الخطوة تمثل أحدث محاولة من ترامب لممارسة نفوذ مباشر على البنك المركزي الأمريكي، بعد أشهر من ضغوطه المتكررة لخفض أسعار الفائدة الفيدرالية من مستواها الحالي (4.33%) إلى 1%، وهو مطلب يصفه كثير من الاقتصاديين بأنه غير واقعي ويهدد استقلالية السياسة النقدية.
وفي حال تمكن ترامب من تعيين عضو جديد في مجلس محافظي الاحتياطي الفيدرالي، فإن معادلة التصويت في لجنة السوق المفتوحة – المسؤولة عن تحديد أسعار الفائدة – قد تتغير بشكل مؤثر، مع تداعيات محتملة تمتد إلى الأسواق الخليجية التي ترتبط عملاتها بالدولار الأمريكي.
دول الخليج وتبعية أسعار الفائدة
معظم البنوك المركزية في دول مجلس التعاون الخليجي – وعلى رأسها الإمارات والسعودية وقطر – تتبع قرارات الفيدرالي الأمريكي بشكل شبه آلي بسبب ربط عملاتها بالدولار. هذا الارتباط يوفر استقرارًا نقديًا ويساعد على جذب الاستثمارات الأجنبية، لكنه يجعل اقتصادات الخليج عرضة للتقلبات الناجمة عن السياسات النقدية الأمريكية.
على سبيل المثال، أبقى البنك المركزي الإماراتي سعر الفائدة الأساسي عند 4.40% هذا العام تماشيًا مع الفيدرالي. وإذا خفض الأخير أسعار الفائدة بشكل حاد إلى 1% استجابة لضغوط ترامب، فإن بنوك الخليج ستكون مضطرة لخفض أسعار الفائدة بأكثر من 300 نقطة أساس.
هذا التخفيض الكبير – الذي نادرًا ما يحدث إلا في حالات طوارئ اقتصادية كبرى – سيؤدي إلى خفض تكلفة الاقتراض قصير الأجل، وهو ما قد ينعكس إيجابًا على مستخدمي بطاقات الائتمان أو القروض الشخصية.
تأثير مزدوج على المقترضين الخليجيين
لكن الصورة ليست وردية بالكامل. إذ يرى خبراء أن المستهلكين الخليجيين سيواجهون مزيجًا متناقضًا: انخفاض الفوائد على المدى القصير، مقابل مخاطر ارتفاع تكاليف الاقتراض على المدى الطويل.
السبب يعود إلى حركة عوائد سندات الخزانة الأمريكية، التي تمثل مرجعًا رئيسيًا للأسواق العالمية. فبينما تراجع العائد على السندات القصيرة (سنتين) إلى 3.68%، ارتفع العائد على السندات الطويلة (30 عامًا) إلى 4.92%. هذا الانحدار في منحنى العائد يعكس توقعات الأسواق بأن ضغوط ترامب قد تدفع الفيدرالي لخفض الفائدة سريعًا، لكن مع مخاطر ارتفاع التضخم وعدم اليقين بشأن استقلاليته، ما قد يرفع تكلفة التمويل طويل الأمد.
وبالتالي، فإن المقترضين الخليجيين قد يستفيدون من قروض استهلاكية أرخص، لكنهم سيدفعون أثمانًا أعلى على الرهون العقارية طويلة الأمد، التي يعتمد كثير من المواطنين والمقيمين في الخليج على تمويلها بالدولار أو بأسعار فائدة مرتبطة به.
انعكاسات على أسواق الرهن العقاري في الخليج
يشير آزاد زنجانة، الخبير الاقتصادي في “أكسفورد إيكونوميكس”، إلى أن “سوق الرهن العقاري في الخليج معرض للخطر بسبب ارتفاع عائدات سندات الخزانة الطويلة الأجل”. وأضاف أن هذا القطاع الحيوي، الذي شهد نموًا متسارعًا في دول مثل السعودية والإمارات في السنوات الأخيرة، قد يتأثر سلبًا بتذبذب عوائد الدين الأمريكية.
ويمكن أن يؤدي ضعف الدولار – إذا استمرت سياسات ترامب في تقويض ثقة المستثمرين – إلى رفع تكلفة الواردات في الخليج، خصوصًا من أوروبا وآسيا، ما يضيف ضغوطًا تضخمية على الاقتصادات المحلية.
الخليج بين المكاسب والمخاطر
اقتصادات الخليج تظهر أداءً قويًا في الوقت الراهن، إذ يتوقع البنك المركزي الإماراتي نموًا بنسبة 4.4% هذا العام، فيما قد يبلغ النمو 3.5% في السعودية وفق صندوق النقد الدولي. هذه المؤشرات تمنح المنطقة هامشًا للتحرك في مواجهة الصدمات الخارجية.
لكن اعتمادها على ارتباط العملات بالدولار يعني أن أي اهتزاز في استقلال الفيدرالي قد يتحول سريعًا إلى مشكلة محلية. وإذا ما دفعت سياسات ترامب البنك المركزي الأمريكي إلى خطوات متطرفة، فإن البنوك المركزية الخليجية قد تضطر للموازنة بين الاستقرار النقدي والضغوط التضخمية، عبر استخدام أدوات مالية إضافية مثل السياسة المالية والتحفيز الاستثماري.
الرابط المختصر https://gulfnews24.net/?p=72526



