كيف صنعت الإمارات المجلس الانتقالي الجنوبي ولماذا تراهن عليه لتفكيك الدولة اليمنية؟
لم تعد الحرب في اليمن مجرد صراع داخلي أو مواجهة إقليمية مع الحوثيين، بل تحولت، في جنوب البلاد على وجه الخصوص، إلى ساحة مفتوحة لمشاريع التفكيك وإعادة الهندسة السياسية التي تقودها دولة الإمارات العربية المتحدة عبر أدوات محلية مسلحة، في مقدمتها المجلس الانتقالي الجنوبي.
فالتقدم العسكري الأخير للمجلس في حضرموت، وسيطرته على مدينة سيئون ومناطق نفطية استراتيجية، يكشف بوضوح حجم الدور الإماراتي في إعادة رسم خريطة النفوذ في اليمن، بعيداً عن أي حديث عن “الشرعية” أو “مكافحة الإرهاب”.
والمجلس الانتقالي الجنوبي، الذي أُعلن عن تأسيسه عام 2017، لم ينشأ كامتداد طبيعي لإرادة سياسية جامعة في الجنوب، بل ككيان صُمم ورُعي ومُوّل مباشرة من أبو ظبي، عقب إقالة عيدروس الزبيدي من منصبه كمحافظ لعدن.
ومنذ لحظة ولادته، حمل المجلس مشروعاً انفصالياً صريحاً، يتمثل في استعادة “دولة الجنوب”، متناقضاً بذلك مع وحدة اليمن، ومع الحكومة المعترف بها دولياً التي يشارك فيها شكلياً.
والدعم الإماراتي للمجلس لم يقتصر على الغطاء السياسي، بل شمل بناء تشكيلات عسكرية موازية للدولة، مثل قوات “الحزام الأمني” و”النخبة الحضرمية”، وتزويدها بالسلاح والتدريب والتمويل.
وبهذه الطريقة، أسست الإمارات شبكة ميليشيات تدين لها بالولاء، وتعمل خارج أي إطار وطني جامع، ما أدى عملياً إلى تقويض مؤسسات الدولة اليمنية في الجنوب، وإفراغ مفهوم السيادة من مضمونه.
في حضرموت، تتجلى هذه السياسة بأوضح صورها. فالمحافظة، التي تضم نحو 80% من احتياطي النفط اليمني، تحولت إلى هدف مركزي للمجلس الانتقالي وحليفه الإماراتي.
فبعد توترات مع القوى القبلية المحلية، ودعم غير معلن لإعادة ترتيب المشهد الأمني، تقدمت قوات النخبة الحضرمية، المدعومة إماراتياً، وسيطرت على سيئون ومرافق حيوية، رافعة علم جنوب اليمن القديم، في مشهد يعكس مشروعاً سياسياً أكثر مما يعكس “عملية أمنية”.
وتبرر الإمارات هذا التدخل بشعارات جاهزة مثل “مكافحة الإرهاب” و”مواجهة الإخوان المسلمين”، لكنها في الواقع تستخدم هذه العناوين لتصفية خصومها الإقليميين، وعلى رأسهم حزب الإصلاح، ولضمان سيطرة حلفائها على الموانئ والممرات البحرية والمنشآت النفطية.
فمن المخا إلى سقطرى، ومن ميون في باب المندب إلى قواعد ساحلية متناثرة، بنت أبو ظبي شبكة نفوذ عسكرية وتجارية، تجعل من جنوب اليمن امتداداً استراتيجياً لمصالحها الاقتصادية والأمنية.
الأخطر في الدور الإماراتي أنه يقوم على إدارة الصراع لا حله. فمن خلال دعم كيان انفصالي قوي، تُبقي أبو ظبي اليمن ضعيفاً ومجزأً، وغير قادر على النهوض كدولة مستقلة ذات قرار سيادي.
كما أن استخدام المرتزقة الأجانب، والقوات السودانية، والعمل عبر وكلاء محليين، يعكس رغبة إماراتية في خوض الحرب بأقل كلفة سياسية وبشرية، مع تحقيق أقصى قدر من النفوذ.
ورغم محاولات تصوير المجلس الانتقالي كقوة استقرار، فإن الواقع في الجنوب اليمني يشير إلى العكس: فالأزمات المعيشية تتفاقم، والكهرباء تنقطع، والخدمات الأساسية تنهار، بينما تُهدر الموارد في صراعات نفوذ داخلية.
ومع ذلك، تواصل الإمارات تسويق المجلس كشريك موثوق للغرب في “مكافحة الإرهاب”، متجاهلة أن هذه السياسات نفسها هي التي غذّت الفوضى ورسخت الانقسامات.
في المحصلة، لا يمكن فهم صعود المجلس الانتقالي الجنوبي بمعزل عن الدور الإماراتي. فهو ليس تعبيراً بريئاً عن تطلعات الجنوبيين بقدر ما هو أداة في مشروع إقليمي يسعى إلى تفكيك اليمن، والسيطرة على موقعه الجغرافي وثرواته، وتحويله إلى ساحة نفوذ مفتوحة.
وبينما تدّعي أبو ظبي دعم الاستقرار، تكشف الوقائع على الأرض أنها أحد أبرز صناع الفوضى المستدامة في اليمن.
الرابط المختصر https://gulfnews24.net/?p=73341



