دلالات التصعيد القطري ضد إسرائيل عبر المسار القانوني الدولي
أعلنت دولة قطر عزمها مقاضاة إسرائيل أمام المحكمة الجنائية الدولية بعد استهداف الأخيرة قيادات بارزة من حركة حماس داخل الدوحة.
وقد حمل الإعلان القطري الذي جاء على لسان وزير الدولة في وزارة الخارجية محمد بن عبدالعزيز الخليفي، أبعادًا سياسية وقانونية تتجاوز مجرد رد فعل على عدوان عسكري، ليشكّل محطة مفصلية في طبيعة التعاطي القطري مع السلوك الإسرائيلي في المنطقة.
ولأكثر من عقدين، عُرفت قطر بدور الوسيط النشط في النزاعات، سواء في لبنان أو دارفور أو أفغانستان أو حتى في محاولات التهدئة بين إسرائيل والفلسطينيين. هذا الدور القائم على الحياد النسبي وتوفير منصات الحوار جعل من الدوحة لاعبًا استثنائيًا في الدبلوماسية الدولية.
لكن استهداف إسرائيل للدوحة بصواريخ في سبتمبر 2025، وتحديدًا قصف فيلا قيل إنها تستضيف قيادات من حماس، غيّر معادلة الدور القطري.
فقد تحوّلت قطر من وسيط إلى طرف متضرر بشكل مباشر، ما يبرر – من منظورها – الانتقال من الوساطة الهادئة إلى التصعيد عبر مسار قضائي دولي.
المحكمة الجنائية الدولية: منصة جديدة للصراع
اجتماع الوفد القطري، برئاسة الدكتور الخليفي، مع نزهت خان، نائبة المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية، يوضح أن الدوحة لا تكتفي بالتصريحات الدبلوماسية، بل تسعى لبناء ملف قانوني متكامل ضد إسرائيل.
هذه الخطوة تحمل عدة دلالات:
تدويل النزاع: قطر تريد إخراج المواجهة مع إسرائيل من إطارها الثنائي أو الإقليمي، إلى ساحة قانونية دولية تُحرج تل أبيب أمام المجتمع الدولي.
التشكيك في الحصانة الإسرائيلية: إسرائيل طالما استفادت من حماية سياسية في مجلس الأمن بفعل الدعم الأمريكي والأوروبي. اللجوء إلى المحكمة الجنائية يُقوّض تلك الحصانة، حتى لو لم يؤدِّ إلى أحكام تنفيذية مباشرة.
إعادة تعريف صورة قطر: عبر هذه الخطوة، تسعى الدوحة إلى تثبيت نفسها كدولة صغيرة قادرة على الدفاع عن سيادتها بالقانون، وليس فقط بالتحالفات أو الوساطات.
رسائل إقليمية ودولية
التصعيد القطري يحمل رسائل متعددة الأطراف:
للولايات المتحدة: التي تملك قاعدة العديد الجوية في قطر وتعتبر الدوحة شريكًا استراتيجيًا، فإن تحرك قطر ضد إسرائيل يضع واشنطن في موقف حرج بين حليفين أساسيين.
لإسرائيل: أن استهداف الأراضي القطرية لم يمر مرور الكرام، وأن تل أبيب ستواجه تبعات قانونية ودبلوماسية قد تعقّد تحركاتها العسكرية والسياسية.
للعالم العربي والإسلامي: أن قطر مستعدة لتجاوز بيانات التنديد والدعوات السياسية، والذهاب إلى أبعد مدى عبر استخدام أدوات القانون الدولي، ما يرفع سقف التوقعات من بقية العواصم العربية.
تحديات المسار القضائي
مع ذلك، فإن خيار المحكمة الجنائية الدولية ليس خاليًا من التحديات:
القيود القانونية: إسرائيل ليست طرفًا في نظام روما الأساسي المؤسس للمحكمة، ما يجعل ملاحقتها أكثر تعقيدًا، إلا إذا فتحت المدعية العامة تحقيقًا خاصًا بجرائم حرب أو اعتداء على دولة عضو.
العقبات السياسية: الضغوط الأمريكية والأوروبية على المحكمة لعدم التوسع في ملفات إسرائيل ستظل قائمة، ما قد يحدّ من فعالية هذا المسار.
الزمن الطويل: القضايا أمام المحكمة تحتاج سنوات من التحقيق والإجراءات، وهو ما قد يُفقد التحرك القطري بعض زخمه الإعلامي والسياسي إذا لم يُدار بشكل استراتيجي.
انعكاسات على دور الوساطة
من زاوية أخرى، قد يؤثر هذا التحرك على صورة قطر كوسيط تقليدي. فاللجوء إلى القضاء الدولي يعني أن الدوحة لم تعد تقف على مسافة واحدة بين الأطراف، بل تعتبر نفسها طرفًا معتدى عليه يسعى للإنصاف.
وقد يُضعف هذا التحول فرص عودة قطر إلى دور الوسيط بين إسرائيل وحماس على المدى القريب، لكنه في الوقت ذاته يعزز مكانتها كدولة قادرة على الدفاع عن سيادتها دون تردد.
وإذا مضت قطر قدمًا في رفع القضية، فإن ردود الفعل قد تشمل:
ضغوط أمريكية خلف الكواليس لإثناء الدوحة عن التصعيد حفاظًا على العلاقة الاستراتيجية.
محاولات إسرائيلية للتقليل من شأن الخطوة واعتبارها مجرد “مناورة سياسية”، لكنها في الواقع ستضاعف الضغوط على صورتها الدولية.
مكاسب دبلوماسية لقطر في العالم العربي والإسلامي، حيث ينظر إلى أي تحدٍّ لإسرائيل على أنه خطوة شجاعة.
ويرى مراقبون أن قرار قطر المضي في المسار القانوني ضد إسرائيل يمثل تصعيدًا نوعيًا يعكس تحوّلها من وسيط إلى طرف يسعى للإنصاف الدولي.
ورغم العقبات القانونية والسياسية التي قد تحدّ من فعالية هذا الخيار، فإن مجرد طرح القضية أمام المحكمة الجنائية الدولية يكسر احتكار إسرائيل للحصانة الدولية، ويوجه رسائل قوية لواشنطن وتل أبيب والعالم العربي.
بهذا، فإن الدوحة لا تدافع فقط عن سيادتها بعد الهجوم الإسرائيلي، بل تسعى لتثبيت معادلة جديدة في المنطقة: أن الدول الصغيرة قادرة على مواجهة القوى العسكرية الكبرى ليس بالقوة الميدانية، بل عبر أدوات القانون الدولي والدبلوماسية الذكية.
الرابط المختصر https://gulfnews24.net/?p=72763



