أخبار الخليج

“الحلفاء على خلاف”.. حضرموت تتحول إلى أحدث جبهة صدام بين السعودية والإمارات

لم تعد حضرموت مجرّد ساحة محلية للنزاعات القبلية أو التوترات الأمنية العابرة، بل أصبحت اليوم مقياسًا دقيقًا لتحولات القوة بين السعودية والإمارات، الحليفين اللذين يتشاركان مظلة التحالف العربي بينما ينساقان في الوقت ذاته إلى منافسة جيوسياسية متصاعدة تمتد من سواحل السودان غربًا إلى تخوم الربع الخالي شرقًا.

في هذا الإطار، جاء توقيع اتفاق خفض التصعيد في 3 ديسمبر بمدينة المكلا بين تحالف قبائل حضرموت والسلطات المحلية، برعاية سعودية مباشرة، ليعكس حجم التوتر العسكري المتنامي خلال الأسابيع الماضية.

وبحسب موقع ذا كاردل الدولي فإن الاشتباكات التي اندلعت حول حقول النفط وامتدت إلى سيئون وقِعْل بن يمين والهضبة المحيطة لم تكن مجرد مواجهات بين فصائل يمنية، بل كانت – كما يقول مسؤولون محليون – صراعًا بالوكالة بين الرياض وأبوظبي على هوية المحافظة ومستقبل ثرواتها.

اتفاق هشّ وسط صراع أكبر

دعا الاتفاق إلى وقف فوري للتصعيد، وإعادة تموضع القوات القبلية على مقربة من منشآت النفط التابعة لبترومسيلة، وانسحاب وحدات النخبة الحضرمية وفق مسافات محددة، إضافة إلى دمج قوات حماية حضرموت مع قوات حماية الشركات في قيادة موحدة.

ورغم أن هذا الإطار بدا كأنه خطوة لاحتواء الأزمة، فإن مراقبين يرون أنه هدوء هشّ يسبق عاصفة جديدة، خصوصًا مع استمرار حشد الفصائل الموالية للإمارات ومحاولاتها توسيع نفوذها في الوادي والهضبة.

ويؤكد مصدر عسكري في تحالف قبائل حضرموت أن قيادات في المجلس الانتقالي الجنوبي، وعلى رأسهم اللواء فرج البحسني، تسعى إلى تفجير الاتفاق والعودة للهجوم، ما يجعل تجدد القتال مسألة وقت لا أكثر.

روايات متضاربة.. وذريعة جاهزة

في مقابل المساعي السعودية للتهدئة، كثّفت الفصائل الموالية لأبوظبي خطابها الإعلامي لتبرير التقدم العسكري. فقد وصفت قيادة القوات الجنوبية عملياتها الأخيرة بأنها حرب على “الإرهاب” وإزالة نفوذ الإخوان المسلمين والحوثيين من وادي حضرموت، بينما اعتبرت قوات النخبة الحضرمية أن المنطقة العسكرية الأولى وفّرت “ملاذًا آمنًا” للعناصر المتطرفة.

لكن روايات أخرى ترى المشهد من زاوية مختلفة تمامًا. فوسائل إعلام حزب الإصلاح اتهمت الإمارات باستخدام الانتقالي لفرض سيطرة انتقامية، بينما حمّلت الرياض مسؤولية التخلي عن قواتها التقليدية في الوادي مقابل تفاهمات سرية مع أبوظبي.

ويختصر الصحفي اليمني ماهر الشامي الصورة بقوله إن ما يحدث ليس صراعًا محليًا، بل امتداد مباشر للصراع السعودي–الإماراتي على الثروة والحدود والنفوذ البحري والجغرافي، معتبرًا أن الطرفين يسعيان إلى ترسيخ مشاريع تقسيمية وإضعاف قدرة اليمن على الاستقلال.

الهضبة النفطية.. الجائزة الكبرى

تشير التطورات الميدانية إلى أن الهضبة النفطية أصبحت محور الصراع. فقد شنّ المجلس الانتقالي، بدعم من مقاتلين من الضالع ويافع، هجمات للسيطرة على شركات ومواقع استراتيجية، من بينها منشآت تابعة لتوتال المحلية. بالمقابل، صمدت القوات القبلية وتمكنت من صدّ الهجمات وتحقيق مكاسب محدودة.

في المقابل، تقدّم الانتقالي سريعًا داخل سيئون ومدن الوادي، مستفيدًا من تراجع أو انسحاب ألوية المنطقة العسكرية الأولى، ما بعث رسالة واضحة بأن السعودية تعيد ترتيب المسرح بما يخدم مشاريعها طويلة المدى.

وقد وصل وفد سعودي رفيع إلى المكلا لاحتواء الأزمة، مقدّمًا مقترحات تتضمن انسحاب القبائل من مواقع النفط، واستبدالها بقوات درع الوطن – القوة التي أنشأتها الرياض لموازنة نفوذ أبوظبي.

وبحسب مصادر محلية، فإن هذه التحركات جاءت بعد تنسيق سعودي–إماراتي هادئ لتقسيم النفوذ في حضرموت على نحو يمنح كل طرف مكاسب استراتيجية دون صدام مباشر.

خلفية صراع ممتد لسنوات

جذور التنافس تعود إلى 2016 حين أسست الإمارات قوات النخبة الحضرمية للسيطرة على الساحل والموانئ، ثم دعمت تأسيس المجلس الانتقالي الجنوبي عام 2017. الرد السعودي جاء لاحقًا عبر إنشاء قوات درع الوطن في 2023، لتشكيل توازن أمام نفوذ الانتقالي.

ثم برز تحالف قبائل حضرموت مع تصاعد الشعور المحلي بأن المحافظة تُدار عبر صراع خارجي لا يمثّل السكان، مما دفع القبائل إلى التمسك بمواقع النفط والتلويح بخيارات حكم ذاتي.

وتفاقم التوتر بعد قرار الرياض إقالة المحافظ المدعوم إماراتيًا مبخوت بن ماضي وتعيين سالم الخنبشي بديلًا عنه، في خطوة فسّرها المراقبون بأنها انقلاب سعودي واضح على النفوذ الإماراتي داخل المحافظة.

وقد جاء القرار بالتزامن مع تعزيز الانتقالي وجوده في سيئون، وبالتوازي مع حشد عسكري قبلي غير مسبوق حول مواقع المسيلة والعليب وقِعل بن يمين.

وردت أبوظبي بإرسال تعزيزات ضخمة من عدن وشبوة والضالع ولحج، في تصعيد يؤكد أن الصراع تجاوز الإطار المحلي ليصبح جزءًا من اللعبة الإقليمية الأوسع.

ويرى عدنان بوازير، رئيس مجلس الإنقاذ الجنوبي، أن المشهد يحمل احتمالات انتقام إماراتي من السعودية أو تنسيق خفي لتسليم المحافظة لقوات درع الوطن بعد التخلص من نفوذ الإخوان.

لكنه يؤكد أن القبائل تشعر بالخديعة وأن قدرتها العسكرية لا تسمح بمواجهة القوى المدعومة إقليميًا.

ويضيف أن أي تسوية قبلية مفروضة ستفتح الباب أمام تقسيم فعلي لليمن، بينما يتزامن كل ذلك مع صعود قدرات الردع لدى صنعاء، ما يعقّد أي مسار سياسي للسلام.

الرابط المختصر https://gulfnews24.net/?p=73225

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى