السياسة الدولية

The Cradle: إسرائيل تفرض نظامًا أمنيًا في لبنان بتمويل سعودي محتمل

في أعقاب وقف إطلاق النار الذي أعلنته إسرائيل مع لبنان في نوفمبر/تشرين الثاني 2024، بدأت تل أبيب تحركات سريعة لإعادة تشكيل الواقع في الجنوب اللبناني بما يخدم رؤيتها الأمنية طويلة الأمد.

فبالنسبة لإسرائيل، لا يشكّل الاتفاق نهايةً للمعركة، بل بداية لفرض نظام أمني–اقتصادي أحادي يجعل لبنان ساحة خاضعة لإشراف أمريكي–إسرائيلي مشترك، مستخدمة ضعف الدولة اللبنانية وتفكك مؤسساتها لإعادة هندسة الجنوب بما يشبه “نسخة حديثة” من اتفاق 17 أيار 1983 بحسب ما أوردت صحيفة The Cradle.

وذكرت الصحيفة أن السعودية تبرز لاعبًا رئيسيًا مرشحًا لتمويل إعادة إعمار لبنان. لكن دور الرياض، رغم ثقله المالي والسياسي، يبدو وفق المقاربة الإسرائيلية مجرد أداة دفع لا شريكًا في صياغة النظام الجديد. وهنا يطرح السؤال نفسه: هل ستدفع المملكة لإعادة إعمار نظام صُمّم خارج حدودها، وخارج إرادتها؟

استراتيجية إسرائيل: من نزع السلاح إلى الهيمنة البنيوية

لا تكتفي إسرائيل بمطلبها التقليدي المتعلق بنزع سلاح حزب الله. بل تتصور مشروعًا شاملًا لتحويل لبنان إلى دولة منزوعة السلاح بالكامل، تعمل كملحق أمني يدور ضمن محور أمريكي–إسرائيلي. وقد عبّر عدة مسؤولين إسرائيليين عن هذه الفكرة بوضوح.

فوزير الجيش الإسرائيلي يسرائيل كاتس تحدث مرارًا عن أن بقاء الجيش الإسرائيلي في الجنوب “سيستمر إلى أجل غير مسمّى”، فيما اقترح القائد السابق للمنطقة الشمالية أوري غوردين إقامة منطقة عازلة دائمة داخل الأراضي اللبنانية تُستخدم “كورقة تفاوضية” مستقبلية.

أما كاتس، فذهب أبعد حين قال في الكنيست: “إذا لم يتخلَّ حزب الله عن سلاحه بحلول نهاية العام، فسنعمل بقوة مجددًا في لبنان… سننزع سلاحهم”.

وتكشف هذه التصريحات أن الهدف ليس إعادة الهدوء فحسب، بل فرض صيغة تُعيد رسم الحدود الأمنية والسياسية في الجنوب، وترسّخ وجودًا عسكريًا طويل الأمد، بينما تُستثمر المساعدات الدولية – بما فيها تمويل دول الخليج – في خدمة هذا الهيكل الأمني الجديد.

وتظهر الوثائق والخرائط المسربة من مؤسسات بحثية إسرائيلية أن مشروع “إعادة هندسة الجنوب” يشمل ترتيبات حدودية جديدة، ومساحات عازلة، وربما مناطق ذات وجود عسكري دائم، تحت غطاء دولي. معادلة “المال العربي مقابل الأمن الإسرائيلي” لم تعد مجازًا، بل إطارًا عمليًا يجري التحضير له.

دور السعودية: بين الضغط السياسي والابتزاز غير المعلن

منذ بداية الصراع، أكدت السعودية دعمها للدولة اللبنانية ومطالبتها بحصر السلاح في يد مؤسساتها الشرعية. وفي الأمم المتحدة، شدد وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان على أن المملكة “تدعم سيادة لبنان وتنفيذ اتفاق الطائف، ووضع السلاح في يد الدولة”.

ويتناغم هذا الخطاب مع مطلب إسرائيلي–أمريكي أوسع لنزع سلاح حزب الله. إلا أن الاختلاف يكمن في الأهداف: فالسعودية تريد نظامًا سياسيًا لبنانيًا يعكس نفوذها ويحد من التمدد الإيراني، بينما تريد إسرائيل هندسة نظام أمني يجعل القرار اللبناني مرتهنًا لإشرافها المباشر.

وبحسب مصادر سياسية، فإن المبعوث السعودي إلى لبنان، يزيد بن فرحان، شدد في اجتماعات داخلية على ضرورة ممارسة ضغط سياسي ومالي لنزع سلاح الحزب، “حتى لو تطلّب ذلك الوصول إلى حرب أهلية”.

ويعكس مثل هذا الموقف استعدادًا سعوديًا لتصعيد كبير في لبنان، لكنه يختلف جذريًا عن المشروع الإسرائيلي الذي يهدف إلى السيطرة على كامل البيئة الأمنية، دون منح الرياض أي نفوذ حقيقي.

فمنظور تل أبيب يرى السعودية مجرد “أداة تمويل” لا شريكًا في رسم المستقبل اللبناني. وقد عبّر مسؤولون إسرائيليون سابقون عن ذلك صراحة، مشيرين إلى أن دور السعودية يجب أن يقتصر على تمويل إعادة الإعمار وفق الشروط التي تحددها إسرائيل والولايات المتحدة.

عودة اتفاق 17 أيار… ولكن بصورة أعمق وأكثر خطورة

ما تحاول إسرائيل فرضه اليوم يعيد إلى الأذهان اتفاق 17 أيار 1983، الذي سعت من خلاله إلى تحويل لبنان إلى محمية أمنية تدار لضمان مصالحها. ورغم انهيار الاتفاق حينها، يبدو أن تل أبيب تعيد إحياء روحه بعد حرب 2024، وهذه المرة بغطاء أمريكي، وبدعم اقتصادي دولي، وربما بتمويل خليجي واسع.

ورغم نص وقف إطلاق النار على الانسحاب الكامل، بقيت القوات الإسرائيلية متمركزة داخل لبنان في عدة نقاط، مستندة إلى ذرائع “منع إعادة التموضع” و”مصادرة الأسلحة”. كما تستمر الطائرات الإسرائيلية في التحليق يوميًا فوق الجنوب والبقاع، في انتهاك واضح للسيادة اللبنانية.

وتقترح مراكز أبحاث إسرائيلية، بالشراكة مع مقترحات فرنسية–أمريكية، خطة نزع سلاح تدريجية تبدأ من الجنوب، ثم تنتقل إلى البقاع والحدود السورية، لتفكيك قدرات المقاومة بالكامل. وترتبط المساعدات الدولية – بما في ذلك التمويل السعودي – بتنفيذ هذه الخطة تحت إشراف صندوق النقد الدولي.

الأخطر أن بعض الدراسات الإسرائيلية تقترح ربط إعادة إعمار القرى الجنوبية بشكل مباشر بإزالة “البنية العسكرية” لحزب الله، مع إبقاء “حرية العمل” للجيش الإسرائيلي داخل الأراضي اللبنانية عند الحاجة.

هل تقع الرياض في فخّ تل أبيب؟

ترى السعودية لبنان ساحة مركزية في صراعها مع إيران، وترغب في استخدام نفوذها المالي لإعادة تشكيل النظام السياسي اللبناني. لكن الرؤية الإسرائيلية أشمل وأخطر: إعادة تعريف السيادة اللبنانية نفسها، ووضعها ضمن منظومة أمنية تُدار من تل أبيب.

في هذه المعادلة، لا يُسمح للسعودية ولا لأي دولة عربية بلعب دور قيادي. بل تُختزل مساهمتها إلى دور الممول للتسوية التي صاغتها إسرائيل والولايات المتحدة. وإذا لم تتحرك الرياض لتثبيت نفوذها عبر أدواتها الدبلوماسية في واشنطن والعواصم العربية، فإنها قد تجد نفسها تدفع تكاليف مشروع يعزز الهيمنة الإسرائيلية بدل أن يضعف نفوذ إيران.

والنتيجة المحتملة، إذا استمرت الأمور على هذا المسار، هي ولادة نظام أمني–اقتصادي على الحدود الشمالية لفلسطين المحتلة، نسخة جديدة – وأعمق – من اتفاق 17 أيار، لكنه هذه المرة مدعوم بغطاء دولي، وبأموال عربية.

الرابط المختصر https://gulfnews24.net/?p=73149

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى