الإمارات في قلب حرب السودان: دعم المليشيات يفاقم أسوأ كارثة إنسانية في العالم
تسلّط زيارة قائد الجيش السوداني الفريق عبد الفتاح البرهان إلى السعودية الضوء مجددًا على عمق التحولات الإقليمية المحيطة بالحرب الأهلية في السودان، لكنها في الوقت ذاته تكشف الدور التخريبي المتصاعد الذي تلعبه دولة الإمارات في إدامة الصراع، عبر دعمها المتهم لقوات الدعم السريع، ومحاولتها فرض نفوذها بالقوة على واحد من أكثر بلدان أفريقيا هشاشة.
ففي الوقت الذي تسعى فيه الرياض، بدوافع أمنية واضحة، إلى دفع مسار إنهاء الحرب وحماية ساحل البحر الأحمر من الانزلاق إلى الفوضى، تواصل أبوظبي – وفق اتهامات سودانية متكررة وتقارير حقوقية دولية – ضخ السلاح والمال في النزاع، ما حوّل السودان إلى ساحة مفتوحة لتصفية الحسابات الإقليمية، على حساب ملايين المدنيين.
الحرب التي اندلعت عام 2023 بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، أفضت إلى كارثة إنسانية غير مسبوقة: أكثر من 12 مليون نازح، ودمار شامل للبنية التحتية، وانهيار شبه كامل للدولة. وبينما تتجه الأنظار إلى الجهود السعودية – الأميركية لإعادة إطلاق مسار سياسي ينهي القتال – تبرز الإمارات بوصفها الطرف الأكثر اتهامًا بإفشال أي تهدئة حقيقية.
وتشير تقارير صادرة عن منظمات حقوقية، بينها منظمة العفو الدولية، إلى أن جزءًا كبيرًا من الأسلحة المتدفقة إلى السودان مصدره الإمارات، إلى جانب روسيا والصين وتركيا.
وعلى الرغم من نفي أبوظبي المتكرر، فإن الوقائع الميدانية، وتطور قدرات قوات الدعم السريع، تعزز الشكوك حول وجود دعم خارجي منظم، لا يمكن فصله عن الطموحات الإماراتية في السيطرة على الموانئ والسواحل الاستراتيجية على البحر الأحمر.
هذا الدور لا يُفهم بمعزل عن السياسة الإماراتية الأوسع في الإقليم، القائمة على دعم المليشيات والجماعات المسلحة خارج إطار الدول، كما حدث في ليبيا واليمن، في نموذج بات يُنظر إليه على أنه سياسة ممنهجة لتفكيك الدول وإعادة تركيبها بما يخدم المصالح الاقتصادية والأمنية لأبوظبي، ولو على حساب الاستقرار الإقليمي.
في المقابل، تنطلق المقاربة السعودية من هواجس مختلفة: حدود بحرية مباشرة مع السودان، مشاريع سياحية واستثمارية ضخمة على الساحل الغربي للمملكة، ومخاوف من انتقال الفوضى، والتهريب، والتطرف عبر البحر الأحمر.
وتفسر هذه المعادلة سعي الرياض إلى احتواء الصراع، لا استثماره، وإلى منع أي قوة – وعلى رأسها الإمارات – من الانفراد بالتحكم في السودان.
ويؤكد مراقبون أن التنافس السعودي–الإماراتي في السودان لم يعد خفيًا.
فبينما ترفع أبوظبي شعار «مكافحة الإسلام السياسي» لتبرير تدخلها، تتجاهل حقيقة أن دعمها لمليشيا الدعم السريع أسهم مباشرة في ارتكاب انتهاكات جسيمة، شملت مجازر وعمليات تطهير عرقي، خصوصًا في دارفور، بحسب تقارير أممية.
والخطاب الإماراتي الذي يروّج لمواجهة جماعة الإخوان المسلمين في السودان يبدو، في نظر منتقديه، مجرد غطاء سياسي لتبرير السيطرة على الموارد والمنافذ البحرية، لا سيما في بلد يملك موقعًا استراتيجيًا يربط أفريقيا بالعالم العربي.
كما أن هذا الخطاب يتناقض مع الواقع الميداني، حيث تقاتل جماعات إسلامية متعددة، دون أن تكون العامل الحاسم في إشعال الحرب أو استمرارها.
ومع تكبّد الجيش السوداني خسائر ميدانية، أبرزها سقوط مدينة الفاشر بعد حصار طويل، تتزايد الحاجة إلى تسوية سياسية شاملة. غير أن هذه التسوية تظل رهينة بتوقف التدخلات الخارجية، وفي مقدمتها الدور الإماراتي، الذي يُنظر إليه على نطاق واسع بوصفه الوقود الخفي لاستمرار الحرب.
وتكشف التطورات الأخيرة أن السودان لم يعد فقط ساحة صراع داخلي، بل ضحية مشروع إقليمي تقوده الإمارات لتكريس نفوذها بالقوة. وبينما تحاول السعودية إعادة الاعتبار لمنطق الدولة والاستقرار، تواصل أبوظبي لعب دور المخرّب، في حرب يدفع ثمنها شعب أعزل، ويهدد استمرارها أمن المنطقة بأكملها.
الرابط المختصر https://gulfnews24.net/?p=73362



