الغارديان: دبي بين بريق الفخامة وظلال الإسراف واللامساواة
لا تكاد تمر أيام دون أن تتصدر دبي العناوين، سواء عبر صور السيارات الفارهة والمراسي المضيئة، أو عبر قصص الانتقال للعيش في الإمارة هربًا من الضرائب.
غير أن الصورة البراقة كثيرًا ما تُخفي وراءها مظاهر سلبية مرتبطة بالإسراف، والتفاوت الطبقي، والاعتماد المفرط على العمالة الأجنبية منخفضة الأجر، بحسب ما أبرزت صحيفة الغارديان البريطانية.
وذكرت الصحيفة أنه بينما يرى البعض دبي بأنها الدورادو الشرق، يصفها آخرون بأنها مدينة بلا جذور، نسخة مقلقة من المستقبل.
واجهة براقة تخفي واقعًا قاسياً
دبي تسوّق نفسها كمركز عالمي للفخامة، حيث تُحطم الأرقام القياسية في أطول برج وأضخم مركز تسوق وأفخم فنادق. لكن هذه الصورة لا تعبّر عن واقع سكانها اليومي. فبينما يستمتع الزوار بمطاعم راقية ومراكز ترفيه حديثة، يواجه آلاف العمال المهاجرين ظروف عمل صعبة وأجورًا زهيدة في الظل.
تشكل العمالة الأجنبية 85% من سكان الإمارة، ما يجعلهم العمود الفقري للحياة الاقتصادية، لكنهم غالبًا ما يفتقرون إلى أبسط الحقوق الاجتماعية. فهم يعيشون في مساكن مكتظة، ويعانون من سياسات إقامة صارمة تجعلهم دائمًا في حالة هشاشة قانونية.
ووراء ناطحات السحاب والمراسي، يعيش مجتمع منقسم بوضوح:
أثرياء ومستثمرون يتنقلون بين النوادي الفاخرة ومشاريع العقارات الفارهة.
مغتربون من الطبقة الوسطى يسعون وراء فرص عمل أفضل، لكنهم يواجهون تحديات هوية وانتماء.
عمال مهاجرون يقاسون قسوة الاستغلال، رغم أنهم العمود الفقري للبنية التحتية والخدمات.
هذا التباين يخلق مجتمعًا هرميًا يندر أن تتقاطع طبقاته إلا في أماكن العمل، حيث يُنظر إلى الكثير من العمال على أنهم مجرد أدوات إنتاج، لا أفرادًا بحقوق مكتملة.
الإسراف والفراغ الثقافي
أصبحت دبي رمزًا للإسراف العالمي:
سيارات رياضية مصطفة أمام مراكز التسوق.
مؤثرون وخبراء عملات مشفرة يصنعون صورة نمطية سطحية عن النجاح.
حفلات ومهرجانات دولية تغذي صورة الترف.
لكن هذه البذخية تثير سخرية وانتقادات، خاصة في الصحافة الغربية التي ترى في دبي “مدينة بلا تاريخ”، مكانًا يمكن فيه شراء أي شيء أو أي شخص بالسعر المناسب.
ورغم وجود مشهد ثقافي ناشئ من الشعر والأدب والفنون بين الجاليات، يبقى بعيدًا عن الواجهة التي تحتكرها المشاريع التجارية العملاقة.
ثمن التغيير على حساب المهاجرين
ورغم أن دبي تعرض نفسها كمدينة عالمية منفتحة، إلا أن قصص المهاجرين تكشف تناقضات صارخة.
عاملات المنازل وثّقن حياتهن على تيك توك كاشفات عن معاناتهن اليومية.
أبناء المهاجرين يواجهون فقدان الهوية وعدم تجذّرهم بالمواطنة.
إجراءات الإقامة والتجديد تُبقي الكثيرين تحت ضغط دائم، حتى بعد سنوات طويلة من العيش في الإمارة.
الأدب الخليجي والدراما المالايالامية قدما صورًا إنسانية عن هؤلاء المهاجرين، بعيدًا عن كونهم مجرد أرقام في إحصاءات أو عمالة رخيصة.
مرآة تعكس ما يريده الغرب
دبي أيضًا أسيرة لنظرة الغرب، الذي يميل إلى تصويرها كمدينة إسراف أو كملاذ ضريبي للأثرياء، متجاهلًا تعقيداتها الاجتماعية والثقافية.
هذا الخطاب السطحي يخدم في الوقت نفسه استراتيجية القوة الناعمة للإمارة، التي تستفيد من الترويج المزدوج: الإعجاب بالبذخ من جهة، والسخرية من الإسراف من جهة أخرى.
وخلف بريق الفخامة، تكشف دبي عن مدينة متناقضة: واجهة حضرية حديثة مبنية على الإسراف، لكن في جوهرها مجتمع طبقي يعاني من عدم المساواة والاستغلال. فهي بالنسبة للبعض جنة بلا قيود، ولآخرين مكانًا عابرًا يفتقد للاستقرار والهوية.
وبينما تواصل الإمارة ترسيخ صورتها كرمز عالمي للرفاهية، تظل التحديات الاجتماعية والإنسانية المخبأة وراء الواجهة أكبر بكثير مما يظهر على السطح.
الرابط المختصر https://gulfnews24.net/?p=72593



