الغارديان: تقارب دوري NBA مع الإمارات يفضح استخدام الرياضة كأداة لتبييض الانتهاكات
في الوقت الذي كانت فيه قوات الدعم السريع السودانية تفرض سيطرتها على أكبر مدن إقليم دارفور، وسط تقارير موثقة عن إعدامات جماعية واغتصاب واسع النطاق وعمليات تطهير عرقي، كانت الأضواء تُسلَّط في أبوظبي على انطلاق بطولة جديدة لدوري كرة السلة الأميركي للمحترفين تحت مسمى «كأس الإمارات لدوري NBA».
وقالت صحيفة الغارديان البريطانية إن هذا التزامن الصادم يلخص جوهر الانتقادات المتصاعدة للدور الذي تلعبه الرياضة العالمية في تلميع صورة أنظمة متهمة بانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان.
وذكرت الصحيفة أن البطولة تمثل ذروة شراكة متنامية بين دوري NBA والإمارات، تشمل مباريات سنوية قبل الموسم في أبوظبي، وصفقة رعاية ضخمة مع طيران الإمارات، وخططاً لإنشاء أكاديمية NBA عالمية داخل حرم جامعة نيويورك في أبوظبي.
وبحسب تقارير متداولة، فإن هذه العلاقة مرشحة للتوسع أكثر، مع مساعٍ إماراتية للاستثمار في دوري أوروبي جديد يحمل علامة NBA، قد يرى النور في وقت مبكر من عام 2027.
من منظور تجاري بحت، تبدو الصفقة رابحة للطرفين: دوري NBA يحصل على شريك ثري يفتح له أسواقاً جديدة، والإمارات تحصد شرعية رمزية عبر ربط اسمها بعلامة رياضية عالمية ذات جماهيرية جارفة.
لكن خلف هذه الواجهة البراقة، تتكشف أسئلة أخلاقية ثقيلة، خصوصاً مع تصاعد الاتهامات للإمارات بدعم قوات الدعم السريع في السودان، وهي جماعة شبه عسكرية متهمة بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
وأبرزت الصحيفة أن الحرب الأهلية في السودان، التي اندلعت في أبريل 2023 نتيجة صراع دموي على السلطة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، أدخلت البلاد في واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في العالم.
ومع اقتراب الصراع من عامه الثالث، لا تزال أرقام الضحايا محل جدل، لكنها جميعاً تشير إلى حجم مروّع للمأساة: عشرات الآلاف من القتلى، وملايين النازحين، ومدن مدمرة، وانهيار شبه كامل لمقومات الحياة.
وتشير تقارير أممية وتحقيقات صحافية إلى وجود صلات مباشرة وغير مباشرة بين الإمارات وقوات الدعم السريع، سواء عبر التمويل أو تسهيل تدفق السلاح.
وقد ذهبت الحكومة السودانية إلى أبعد من ذلك، حين رفعت دعوى أمام محكمة العدل الدولية تتهم فيها أبوظبي بالتواطؤ في الإبادة الجماعية في غرب دارفور. ورغم نفي الإمارات المتكرر، فإن تراكم الأدلة والقرائن جعل من الصعب تجاهل هذه الاتهامات أو فصلها عن سياق سياساتها الإقليمية.
داخلياً، لا يقل السجل الحقوقي للإمارات إثارة للجدل. فالدولة التي تسوق نفسها كواحة للحداثة والانفتاح، تُحكم بقبضة أمنية صارمة، حيث يُسجن المعارضون والناشطون الحقوقيون بتهم فضفاضة، وتُقيد حرية التعبير بشكل منهجي.
كما يقوم نموذجها الاقتصادي إلى حد كبير على العمالة المهاجرة، التي تشكل الغالبية الساحقة من القوة العاملة، وغالباً ما تعمل في ظروف قاسية مع حماية قانونية محدودة.
ورغم ذلك، نجحت الإمارات خلال العقد الأخير في توظيف الرياضة كأداة مركزية لإعادة صياغة صورتها الدولية.
فمن الاستحواذ على نادي مانشستر سيتي، إلى استضافة سباقات الفورمولا 1، وبطولات UFC، والكريكيت، والغولف، وصولاً إلى شراكات مع أكبر الدوريات الرياضية في العالم، بنت أبوظبي شبكة نفوذ ناعمة جعلت من انتقادها داخل الأوساط الرياضية أمراً نادراً.
في هذا السياق، تبدو شراكة NBA مع الإمارات امتداداً منطقياً لاستراتيجية “تبييض السمعة عبر الرياضة”. فالدوري الأميركي، الذي يقدم نفسه كمنصة للقيم التقدمية والعدالة الاجتماعية داخل الولايات المتحدة، يلتزم صمتاً لافتاً حين يتعلق الأمر بعلاقاته مع أنظمة استبدادية في الخارج.
واكتفى متحدث باسم الدوري بالتأكيد على أن NBA “يتبع إرشادات وزارة الخارجية الأميركية”، متجنباً أي تعليق مباشر على سجل الإمارات الحقوقي أو دورها في السودان.
في المقابل حذرت منظمات حقوقية، من بينها “ريفيوجيز إنترناشونال”، من أن «كأس الإمارات لدوري NBA» يُستخدم لتلميع الفظائع المرتكبة في السودان، داعية الدوري إلى عدم التحول إلى أداة دعائية تغطي على المجاعة والإبادة الجماعية. ومع ذلك، تبقى هذه الأصوات هامشية أمام ثقل المصالح المالية.
وتشير التجربة إلى أن المؤسسات الرياضية نادراً ما تتخلى عن شراكات مربحة طوعاً.
ورغم سوابق محدودة لإنهاء رعايات مثيرة للجدل، فإن حالة الإمارات تكشف مدى فعالية استراتيجيتها في تحييد الانتقادات عبر المال والنجومية العالمية.
الرابط المختصر https://gulfnews24.net/?p=73326



