أخبار الخليج

الكوميديون يهاجمون مهرجان الرياض للكوميديا: بين المال والحقوق

تحولت فعالية يفترض أن تكون للاحتفال بالضحك إلى ساحة جدل سياسي وأخلاقي. فمهرجان الرياض للكوميديا، الذي يمتد من 26 سبتمبر حتى 9 أكتوبر، ويُسوّق له على أنه “أكبر مهرجان كوميدي في العالم”، أثار عاصفة من الانتقادات في الأوساط الفنية والإعلامية الغربية.

وكان الكوميديان الأميركي شين غيليس من أبرز الأصوات المعارضة. ففي إحدى حلقات بودكاسته، كشف أنه رفض “حقيبة ضخمة من المال” للمشاركة، حتى بعد أن عرض المنظمون مضاعفة المبلغ.

ووصف غيليس خطوته بأنها “موقف مبدئي”، ليحظى بدعم زملاء مثل بيني فيلدمان، الذي أشاد بقراره رغم خلافاتهما السياسية السابقة.

وسلط موقف غيليس الضوء على مفارقة حادة: بعض الفنانين يعتبرون أن المشاركة في المهرجان تلميع لنظام متهم بانتهاكات واسعة، بينما يراه آخرون فرصة مالية لا تتكرر.

انتقادات قاسية: من خاشقجي إلى 11 سبتمبر

لم تتأخر المنظمات الحقوقية في الدخول على الخط. فقد ربطت هيومن رايتس ووتش بين توقيت المهرجان والذكرى السابعة لمقتل الصحفي جمال خاشقجي، ووصفت المهرجان بأنه محاولة “لصرف الانتباه عن القمع الوحشي لحرية التعبير”. المنظمة دعت المشاركين لاستخدام المنصة للمطالبة بالإفراج عن الصحفيين والمعارضين المعتقلين.

على مستوى الكوميديين، كان مارك مارون من أكثر المنتقدين حدة، إذ سخر قائلاً: “من الأشخاص الذين جلبوا لكم 11 سبتمبر… أسبوعان من الضحك في الصحراء!”، في إشارة إلى الاتهامات السعودية القديمة. مارون أقرّ أنه لم يُدعَ للمشاركة، لكنه أكد أن الموقف الأخلاقي أسهل عندما لا يكون هناك عرض مالي على الطاولة.

كذلك، صرّح ستافروس هالكيس أنه رفض الدعوة “لأن السعودية تخيفه”، بينما قال زاك وودز ساخراً: “سمّوا لي كوميديان واحداً لم يبع نفسه لدكتاتور”.

المال مقابل المبادئ

الجدل لم يقتصر على المنتقدين. بعض المشاركين أنفسهم أبدوا تردداً. الكوميديان كريس ديستيفانو اعترف أنه تردد في البداية لكنه قرر القبول بعد نصيحة من زوجته. أما بيت ديفيدسون فكان أكثر صراحة حين قال في بودكاسته: “أرى الجدولة وأرى الرقم فأقول: سأذهب”، مشيراً إلى أن المال كان الحافز الرئيسي.

الكوميديان تيم ديلون كشف بدوره أنه طُرد من قائمة المشاركين بعد تصريحاته عن “العمالة القسرية” في السعودية. قال إن المبلغ المعروض عليه كان 375 ألف دولار، بينما وصل العرض لبعض زملائه إلى 1.6 مليون دولار، ما يعكس حجم الاستثمارات السعودية في استقطاب أسماء لامعة مهما كلف الأمر.

واللافت أن كبار الكوميديين المقرر مشاركتهم – مثل ديف شابيل، كيفن هارت، عزيز أنصاري، لويس سي.كي، وبيل بور – تجنبوا نشر أي محتوى عن المهرجان على حساباتهم في وسائل التواصل الاجتماعي. هذا الصمت يعكس إدراكاً لحدة الجدل، ورغبة في تفادي الانتقادات التي قد تؤثر على صورتهم في الولايات المتحدة وأوروبا.

الترفيه كسلاح ناعم سعودي

منذ إطلاق “رؤية 2030″، استثمرت السعودية مليارات الدولارات في قطاع الترفيه، من المهرجانات الموسيقية إلى الرياضات العالمية مثل المصارعة WWE، التي وقّعت عقداً ضخماً مع الرياض في 2018.

والهدف المعلن هو تنويع الاقتصاد وجذب السياحة، لكن النقاد يرون أن الهدف غير المعلن هو “غسل السمعة” وتخفيف التركيز على سجل حقوق الإنسان.

ويأتي مهرجان الرياض للكوميديا بعد نجاح فعاليات أخرى مثل “ساوندستورم” الموسيقي، التي تعرضت أيضاً لانتقادات حقوقية. هذا النمط يعكس سياسة سعودية ممنهجة: استخدام الثقافة والرياضة والفنون كأدوات للقوة الناعمة، حتى لو كانت محاطة بجدل دولي.

بين الضحك والسياسة

يكشف الجدل الدائر هشاشة المعادلة التي يواجهها الفنانون: القبول بمبالغ ضخمة قد يُنظر إليه كخيانة للمبادئ، بينما الرفض يمنحهم مكانة أخلاقية وربما جمهورا أكثر إخلاصاً.

بالنسبة للسعودية، يبقى الرهان قائماً: استمرار تدفق الأسماء العالمية على الرياض، مهما كانت الانتقادات، يعزز صورتها كـ”عاصمة جديدة للترفيه” في الشرق الأوسط.

لكن بالنسبة لمنظمات مثل هيومن رايتس ووتش، فإن الضحك على خشبات الرياض لا يمكن أن يُخفي أصوات المعارضين المعتقلين ولا يطمس ذكرى جمال خاشقجي.

الرابط المختصر https://gulfnews24.net/?p=72812

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى