السعودية تكثّف عمليات الإعدام للعام الثاني توالياً وسط انتقادات حقوقية متصاعدة
سجّلت المملكة العربية السعودية رقماً قياسياً جديداً في عدد عمليات الإعدام المنفذة خلال عام 2025، لتؤكد استمرار التصاعد الحاد في تنفيذ أحكام الإعدام للعام الثاني على التوالي، في مسار أثار قلقاً واسعاً لدى منظمات حقوق الإنسان الدولية.
وبحسب تقارير نقلتها هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) ومنصات إعلامية دولية، أعدمت السلطات السعودية ما لا يقل عن 347 شخصاً منذ مطلع العام وحتى تاريخه، وهو رقم غير مسبوق في تاريخ المملكة الحديث، ويتجاوز العدد المسجّل في عام 2024 الذي بلغ 345 حالة إعدام.
وتشير هذه الأرقام إلى نمط متصاعد يعكس تشديداً ملحوظاً في السياسات الجنائية، لا سيما في قضايا المخدرات وملفات تتعلق بالمعارضة السياسية.
وتضم قائمة الذين أُعدموا هذا العام مواطنين سعوديين وأجانب، إضافة إلى منتقدين للحكومة وصحفي واحد على الأقل، ما أعاد إلى الواجهة الجدل حول حرية التعبير وحدودها في المملكة.
كما أفادت تقارير حقوقية بأن عدداً من المحكومين بالإعدام كانوا قاصرين وقت ارتكاب الجرائم المنسوبة إليهم، أو أُدينوا بعد محاكمات وُصفت بأنها افتقرت إلى المعايير الأساسية للمحاكمة العادلة.
ويأتي هذا التصعيد في وقت تروّج فيه الرياض لصورة إصلاحية على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي، في إطار «رؤية 2030» التي يقودها ولي العهد محمد بن سلمان.
فقد شهدت السنوات الأخيرة تحرير قطاعات اقتصادية واسعة، وتوسيع مشاركة النساء في سوق العمل، وتخفيف بعض القيود الاجتماعية، بما في ذلك السماح بفعاليات ترفيهية كبرى، وفتح مجالات كانت محظورة سابقاً.
غير أن هذه الانفتاحات الاقتصادية والاجتماعية ترافقت، بحسب مراقبين، مع تشديد واضح في التعامل مع أي معارضة سياسية أو تعبير نقدي.
وتؤكد منظمات حقوقية دولية أن مؤشر حرية التعبير في السعودية لا يزال من بين الأدنى عالمياً، مشيرة إلى استمرار الاعتقالات والمحاكمات القاسية بحق ناشطين وصحفيين ومعارضين.
وقالت منظمة هيومن رايتس ووتش في تقارير سابقة إن انتهاكات ضمانات المحاكمة العادلة «منتشرة على نطاق واسع»، لافتة إلى استخدام الاعترافات المنتزعة بالإكراه، وحرمان المتهمين من التمثيل القانوني الفعّال، إضافة إلى غياب الشفافية في إجراءات التقاضي وتنفيذ الأحكام.
كما شكّلت قضايا الإعدام المرتبطة بجرائم المخدرات محوراً أساسياً للانتقادات الدولية، إذ تشير تقديرات حقوقية إلى أن نسبة كبيرة من الإعدامات نُفذت بحق مدانين بجرائم لا تُعد من «أشد الجرائم خطورة» وفق القانون الدولي.
وترى الأمم المتحدة أن تطبيق عقوبة الإعدام في مثل هذه القضايا يشكل انتهاكاً للمعايير الدولية لحقوق الإنسان.
في المقابل، تؤكد السلطات السعودية أن أحكام الإعدام لا تُنفذ إلا بعد استنفاد جميع درجات التقاضي، وأنها تقتصر على الجرائم الأشد خطورة، بما في ذلك الإرهاب وتهريب المخدرات. كما تشدد الرياض على أن نظامها القضائي مستقل، وأن قوانينها تحظر التعذيب وتجرّمه.
ورغم ذلك، لم تفلح هذه التبريرات في تهدئة الانتقادات المتزايدة، خصوصاً في ظل تقارير عن عدم إبلاغ عائلات المحكوم عليهم مسبقاً بموعد الإعدام، وعدم تسليم الجثامين أو الكشف عن أماكن الدفن، فضلاً عن غياب المعلومات الرسمية حول طرق التنفيذ.
ويرى مراقبون أن استمرار ارتفاع وتيرة الإعدامات يطرح تساؤلات جدية حول التوازن بين مسار الإصلاح الاقتصادي والانفتاح الاجتماعي من جهة، واحترام الحقوق الأساسية والحريات العامة من جهة أخرى.
كما يحذّر حقوقيون من أن هذا النهج قد يترك آثاراً سلبية طويلة الأمد على صورة المملكة الدولية، في وقت تسعى فيه إلى تعزيز حضورها السياسي والاقتصادي عالمياً.
وفي ظل هذه التطورات، تتواصل الدعوات الأممية والدولية إلى وقف تنفيذ أحكام الإعدام في السعودية، وفتح نقاش جاد حول إصلاح المنظومة القضائية، بما يضمن الامتثال للمعايير الدولية وحماية الحق في الحياة.
الرابط المختصر https://gulfnews24.net/?p=73423



