إسرائيل تُغضب مصر: سوء تقدير يهدد أهم شراكة عربية لتل أبيب
أبرزت صحيفة فايننشال تايمز أنه منذ توقيع معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل عام 1979، ظلّت القاهرة الشريك العربي الأكثر استقرارًا لتل أبيب، رغم طبيعة العلاقة الباردة أحيانًا.
لكن الصحيفة نبهت إلى أن قرار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بتهديد صفقة غاز عملاقة مع مصر بقيمة 35 مليار دولار شكّل نقطة تحول خطيرة، وصفها محللون بأنها “سوء تقدير استراتيجي” يهدد بتقويض أسس الشراكة التاريخية.
وبحسب الصحيفة فإنه في لحظة تواجه فيها مصر ضغوطًا هائلة داخليًا ودوليًا بسبب حرب غزة، قد يؤدي التصعيد الإسرائيلي إلى خسارة الدولة العربية التي ضمنت لإسرائيل أكبر مكاسبها الدبلوماسية في المنطقة.
اتهامات مصطنعة
برّر نتنياهو وقف الصفقة بالزعم أن مصر انتهكت معاهدة السلام عبر نشر قوات إضافية في سيناء. القاهرة نفت الادعاءات بشكل قاطع، فيما وصفها خبراء أمنيون إسرائيليون بأنها “مزاعم غير صحيحة، روجتها شخصيات يمينية لأسباب سياسية”.
وبالفعل، وجود القوات المصرية في سيناء يخضع لرقابة صارمة من الأمم المتحدة ومن الجيش الإسرائيلي نفسه.
المفارقة أن هذه ليست المرة الأولى التي يستخدم فيها نتنياهو وحلفاؤه سيناريو الأزمات المصطنعة. إذ غالبًا ما تبدأ بتسريبات غامضة لوسائل الإعلام، تتبعها حملة منسقة من أنصار اليمين على المنصات الرقمية وشاشات التلفزيون.
غير أن تسليط الضوء على سيناء هذه المرة جاء في سياق حساس: الحرب المستمرة على غزة، وضغوط إسرائيل على مصر للقبول بفكرة “النقل الطوعي” للفلسطينيين، وهي خطة ترفضها القاهرة بشكل قاطع وتعتبرها خطًا أحمر وجوديًا.
صفقة الغاز الضخمة
تحمل الصفقة المتوقفة فوائد استراتيجية للطرفين. فإسرائيل كانت ستزيد من إنتاجها للغاز وتوسيع بنيتها التحتية للتصدير، بينما استثمرت القاهرة 400 مليون دولار في خطوط الأنابيب لزيادة إمدادات الغاز لأسواقها المحلية التي تعاني من عجز مزمن.
كما أنه بالنسبة للشركات الإسرائيلية فإن الأرباح المتوقعة ضخمة، ولمصر، الصفقة وسيلة للتخفيف من أزماتها الاقتصادية.
غير أن تعليق الاتفاقية يثير الشكوك حول نوايا إسرائيل الحقيقية. فربط الصفقة بمطالب سياسية غير قابلة للتنفيذ، مثل تهجير الفلسطينيين إلى مصر، يرسّخ الانطباع بأن تل أبيب توظف التعاون الاقتصادي كأداة ابتزاز سياسي، لا كشراكة قائمة على المصالح المتبادلة.
غزة وغياب السياسة
المعضلة الكبرى تكمن في غياب سياسة إسرائيلية واضحة لـ”اليوم التالي” في غزة. فالحكومة الإسرائيلية تكتفي بترديد شعار: “لا حماس ولا السلطة الفلسطينية”، ما يترك فراغًا تملؤه أفكار متطرفة، مثل إعادة احتلال غزة أو الضغط على مصر والأردن لاستيعاب الفلسطينيين.
وفد فوجئ الدبلوماسيون المصريون بتصريحات لمسؤولين إسرائيليين، مثل السفير يحيئيل لايتر، الذي لمح إلى إمكانية “النقل الطوعي” كجزء من مستقبل غزة، وهو طرح مرفوض من جميع القوى العربية.
تداعيات سياسية خطيرة
بالنسبة لمصر، الحرب في غزة تفرض تحديات داخلية ضخمة. فقد خرجت مظاهرات مؤيدة للفلسطينيين تندد بسياسات القاهرة، فيما تعرّضت بعثات دبلوماسية مصرية في الخارج لهجمات من محتجين.
في هذا السياق، استمرار التعاون مع إسرائيل مكلف شعبيًا وسياسيًا، وأي محاولة من تل أبيب لجرّ مصر إلى سيناريوهات تهجير الفلسطينيين قد تشعل غضبًا واسعًا يتجاوز قدرة النظام على احتوائه.
إضافة إلى ذلك، تعليق الصفقة يهدد بزعزعة مجالات التعاون الأخرى: من الأمن الحدودي إلى التنسيق في ملف الغاز شرق المتوسط، حيث تشارك القاهرة وتل أبيب في “منتدى غاز شرق المتوسط”.
وإذا استمر التصعيد، قد تعيد مصر النظر في موقعها كوسيط رئيسي بين إسرائيل وحماس، خصوصًا بعد هجمات الدوحة التي أضعفت ثقة العواصم العربية بسياسات نتنياهو.
السلام يحتاج إلى رعاية
لطالما اعتُبرت معاهدة السلام المصرية-الإسرائيلية إنجازًا دبلوماسيًا تاريخيًا، إذ وفّرت إطارًا للاستقرار الإقليمي رغم تعاقب الحروب في المنطقة.
وقد وصفها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في مارس الماضي بأنها “نموذج يُحتذى”. لكن مثل هذه الاتفاقيات تحتاج إلى رعاية وحسن إدارة، لا استغلال سياسي قصير النظر.
اليوم، تهديد صفقة الغاز وتوظيفها كورقة ضغط يقوّض الثقة التي بُنيت عبر أربعة عقود، ويعيد التذكير بأن أي سلام دون احترام متبادل للمصالح والاعتبارات الأمنية والسياسية للطرفين هو سلام هش ومعرّض للانهيار.
وأكدت الصحيفة أنه بمعاملة مصر كخيار بديل لتهجير الفلسطينيين، لا كشريك إقليمي رئيسي، ترتكب إسرائيل خطأ استراتيجيًا. فالقاهرة تظل أهم دولة عربية من حيث الثقل السكاني والموقع الجغرافي والدور المحوري في قضايا المنطقة.
ونفور مصر قد يدفعها إلى تعزيز تعاونها مع قوى إقليمية أخرى مثل تركيا وقطر، أو حتى إعادة التموضع دبلوماسيًا في ملفات حساسة كالمفاوضات مع حماس.
الرابط المختصر https://gulfnews24.net/?p=72716



