مستثمرون إماراتيون يخسرون أموالهم لصالح مدير أصول بريطاني ودبي بوابة مثالية للاحتيال المالي
في فضيحة جديدة تضرب سمعة دبي كمركز مالي “آمن”، يخوض عشرات المستثمرين الإماراتيين معركة خاسرة لاسترداد أموالهم من شركة إدارة الأصول البريطانية “مجموعة 79″، التي أغلقت مكاتبها في دبي بعد أقل من عامين على افتتاحها. وتواجه الشركة الآن تحقيقًا في لندن بتهم الاحتيال وإدارة مخطط بونزي، بينما يكتشف المستثمرون أنهم عالقون في حلقة قانونية مفرغة بين بريطانيا والإمارات.
وقدّمت “مجموعة 79” نفسها على أنها شركة متخصصة في العقارات وإدارة الثروات، ووعدت بعوائد سنوية “خيالية” تتراوح بين 15% و18% من خلال سندات قروض مضمونة بعقارات في “صفقات متعثرة”. هذه الوعود استهدفت شريحة واسعة من المقيمين في الإمارات الباحثين عن فرص ربح سريعة، في ظل ضعف أدوات الادخار والتقاعد في السوق المحلي.
أحد المستثمرين من أبوظبي قال: “استثمرتُ 400 ألف درهم بعد إقناع من مستشار مالي في دبي. حصلت على الدفعة الأولى فقط، ثم توقفت الشركة عن السداد، وتبيّن أن الأمر لم يكن سوى مخطط بونزي”.
مستثمر آخر من دبي أضاف: “حولتُ 50 ألف درهم مقابل عائد 16%، لكنني لم أتسلم فلسًا واحدًا. الإدارة الآن تقول إن الرصيد صفر أو سلبي”.
دبي.. جنة المحتالين
اللافت أن الشركة فتحت مكتبًا في مركز دبي للسلع المتعددة (DMCC) عام 2023، لتضفي على نفسها صفة الشرعية. غير أن المركز أقرّ لاحقًا بأن “مجموعة 79” لم تستوفِ متطلبات الامتثال، ما أدى إلى إخلاء مكتبها.
هذه الحادثة ليست الأولى من نوعها. دبي، التي تروّج لنفسها كـ”ملاذ مالي عالمي”، تحولت في الواقع إلى بوابة سهلة لشركات مشبوهة تستغل ثغرات الرقابة الضعيفة وتدفق الأموال الباحثة عن أرباح سريعة. وبدلًا من حماية المستثمرين، تكتفي السلطات غالبًا بالقول إن المكتب أغلق أو إن الترخيص لم يُجدد، تاركة الضحايا يواجهون مصيرهم وحدهم.
متاهة قانونية بلا نهاية
من الناحية القانونية، وُضعت الشركة تحت “الإدارة” في بريطانيا، وهو إجراء للإفلاس يمنح الأولوية للدائنين المضمونين ويترك البقية في طابور طويل غالبًا بلا مردود.
يقول الخبير القانوني أحمد كامران: “في حالات كهذه، غالبًا ما يكون التعافي شبه معدوم للمستثمرين الأفراد غير المضمونين، والملاذ الأخير هو ملاحقة المستشارين الماليين أو الوسطاء الذين سهّلوا هذه العمليات”.
لكن في الإمارات، حيث تعمل عشرات الشركات الاستشارية بلا رقابة صارمة، تصبح مساءلة الوسطاء شبه مستحيلة.
دروس مؤلمة للمستثمرين
القضية تكشف بوضوح علامات الاحتيال التي تجاهلها الكثيرون:
وعود بعوائد مرتفعة وثابتة “مضمونة”.
غياب الشفافية وعدم وجود بيانات مالية مدققة.
الاعتماد على تكتيكات البيع السريعة وخلق شعور بالاستعجال.
استهداف أسواق أجنبية عبر مكاتب مؤقتة في دبي.
تقول الخبيرة المالية كارول جلين: “الإمارات بيئة مثالية للمحتالين بسبب غياب نظام تقاعد فعّال، ما يدفع المغتربين والمواطنين على السواء إلى البحث عن استثمارات مرتفعة المخاطر”.
الإمارات.. بلد “القصص المتكررة”
هذه ليست سوى حلقة جديدة في سلسلة فضائح استثمارية هزّت دبي وأبوظبي خلال السنوات الأخيرة: من انهيار صناديق عقارية، إلى شركات “فوركس” وهمية، وصولًا إلى تسويق منتجات مالية غير مرخصة عبر المؤثرين.
بدلًا من توفير الحماية، تبدو الإمارات شريكًا صامتًا في تسهيل هذه الجرائم المالية، من خلال بيئة قانونية رخوة، وضعف آليات التعويض، وغياب أي محاسبة جدية للشركات التي تتلاعب بأموال الناس.
وتكشف فضيحة “مجموعة 79” أن الإمارات ليست مركزًا ماليًا آمنًا كما تدّعي، بل مسرحًا مفتوحًا للمحتالين الدوليين الذين يجدون فيها ملاذًا مثاليًا لجذب الأموال بلا رقابة حقيقية. وفي النهاية، الخاسر الأكبر هو المستثمر البسيط، الذي يكتشف متأخرًا أن القوانين والسلطات لم تُصمم لحمايته، بل لحماية واجهة براقة تسوّقها أبوظبي ودبي للعالم.
الرابط المختصر https://gulfnews24.net/?p=72393



