قراءة في تعهد ترامب بضمان أمن قطر عقب الهجوم الصاروخي الإسرائيلي
أثار إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التزامًا غير مسبوق بضمان أمن قطر، في أعقاب الهجوم الصاروخي الإسرائيلي على الدوحة مطلع سبتمبر، جدلًا واسعًا في الأوساط الدبلوماسية والعسكرية بالمنطقة.
فالقرار الذي صدر في شكل أمر تنفيذي اعتُبر بمثابة “معاهدة دفاع” غير رسمية، تُلزم الولايات المتحدة بالرد على أي تهديد يستهدف الدولة الخليجية الغنية بالغاز. لكنّ محللين يرون أنّ هذه الصياغة قد تحمل وعودًا أكبر من قدرتها على الصمود أمام اختبار الواقع.
وينصّ القرار الأمريكي على أن أي هجوم ضد قطر سيُعامل كتهديد مباشر لـ“السلام والأمن القومي للولايات المتحدة”، ما يتيح لواشنطن استخدام كل الوسائل المتاحة – الدبلوماسية والاقتصادية، وإذا لزم الأمر العسكرية – لحماية الدوحة.
ويرى خبراء أن هذا التعهّد يقترب في مضمونه من التزامات الدفاع الجماعي الواردة في معاهدات تاريخية كالناتو أو الاتفاقيات الأمريكية مع اليابان وكوريا الجنوبية.
لكنّ الفارق الجوهري، وفق الدبلوماسي الأمريكي السابق إليوت أبرامز، هو أن هذه الالتزامات جاءت عبر معاهدات صادق عليها الكونغرس، بينما قرار ترامب جاء بإرادة منفردة “دون نقاش علني أو جدل تشريعي”.
هجوم غير مسبوق وصدمة خليجية
شكل الهجوم الإسرائيلي في التاسع من سبتمبر/أيلول، والذي استهدف مكتب حماس السياسي في حي سكني وتجاري في الدوحة، لحظة فارقة لدول الخليج.
إذ اعتادت هذه العواصم أن ترى في واشنطن الضامن لأمنها، لكنها فوجئت بأن أقرب حليف لها – إسرائيل – يهاجم العاصمة القطرية دون تنسيق مسبق.
وقد عبّر ترامب عن “عدم رضاه إطلاقًا” عن الضربة، في انتقاد نادر لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. بل إنّه رتّب مكالمة ثلاثية بين نتنياهو ورئيس الوزراء القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، شهدت اعتذارًا إسرائيليًا رسميًا عن انتهاك سيادة الدوحة.
قطر… الحليف المميز
لطالما ارتبطت قطر بواشنطن بعلاقات متينة: فهي تستضيف أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في الشرق الأوسط (قاعدة العديد)، وتضخ استثمارات ضخمة في الأصول الأمريكية، وتُعدّ من كبار مصدّري الغاز المسال للأسواق العالمية.
كما نجحت في ترسيخ موقعها كوسيط سياسي بين الولايات المتحدة وخصومها – من طالبان إلى إيران – إضافة إلى استضافتها المكتب السياسي لحماس منذ أكثر من عقد.
لكنّ استهداف الدوحة بالصواريخ الإسرائيلية جعل القيادة القطرية تتساءل بجدية: هل يمكن الاعتماد على واشنطن في كل الظروف؟ وجاء قرار ترامب ليقدّم إجابة مباشرة، وإن بدت لبعض المراقبين مثقلة بالالتباسات.
مخاطر “التوقعات العالية”
اعتبرت المحللة دانا سترول، المسؤولة السابقة في وزارة الدفاع الأمريكية، أن القرار بعث برسالة سياسية مزدوجة: دعم قوي لقطر وتحذير ضمني لإسرائيل. لكنها شدّدت على أنّ قيمة هذا الالتزام “لا تتجاوز كلمة الرئيس، التي قد تتغير في أي لحظة”.
وأضافت أنّ الخطر يكمن في أن “القادة القطريين قد يرفعون سقف توقعاتهم إزاء ما قد تفعله واشنطن إذا تعرضوا لهجوم جديد، وهو ما قد يقود إلى خيبة أمل لاحقة”. كما حذّرت من أن دولًا خليجية أخرى قد تطالب بالمعاملة نفسها، بما يخلق “تأثير كرة الثلج” على السياسة الدفاعية الأمريكية في المنطقة.
وقد تزامن التعهّد مع ضغوط تمارسها قطر على حركة حماس للقبول بخطة ترامب لإنهاء الحرب في غزة. بالنسبة لواشنطن، فإنّ إشراك الدوحة في هذه المعادلة يوفّر قناة تأثير مباشرة على الحركة التي ما زالت ترفض شروط الخطة. ولذا، فإن ربط أمن قطر بأمن المصالح الأمريكية يعكس – بحسب مراقبين – محاولة لتعزيز موقع الدوحة كوسيط لا غنى عنه في ملف غزة.
في المقابل، نظر جيران قطر في الخليج بريبة إلى هذه الخطوة. بعض العواصم، مثل الرياض وأبوظبي، اعتادت أن ترى نفسها صاحبة الأولوية في الالتزامات الأمنية الأمريكية. أما أن تأتي واشنطن لتعطي قطر “معاملة دفاعية خاصة”، فهو ما اعتُبر خروجًا عن التقليد الذي حكم العلاقة مع الخليج لعقود.
مستقبل غير مضمون
على الرغم من قوة الصياغة في الأمر التنفيذي، يبقى الالتزام هشًّا من الناحية القانونية. فترامب اتخذ القرار دون المرور بالكونغرس، ما يعني أن أي رئيس لاحق يمكن أن يلغيه أو يتجاهله بسهولة.
كما أن السياسة الخارجية الأمريكية معروفة بمرونتها المرتبطة بالمصالح الآنية، وهو ما يجعل التعهّد مرهونًا بالظرف السياسي والعسكري.
ومع أنّ القرار عزّز ثقة الدوحة مؤقتًا، إلا أنّ التساؤلات لا تزال مطروحة: هل ستقف واشنطن بالفعل بوجه إسرائيل إذا كررت استهداف قطر؟ وهل ستتدخل عسكريًا إذا قررت إيران أو طرف آخر اختبار هذا الالتزام؟
الرابط المختصر https://gulfnews24.net/?p=72837



