السعودية تستخدم أموالها لإعادة تشكيل هوليوود وصناعة الترفيه العالمية
شهدت العلاقة بين المملكة العربية السعودية وصناعة الترفيه العالمية، وعلى رأسها هوليوود، تحولاً جذرياً خلال العقد الماضي.
فبعد سنوات طويلة كانت فيها السعودية تُعد دولة منبوذة في نظر كثير من صناع الترفيه الغربيين بسبب سجل حقوق الإنسان، والقيود الاجتماعية، والرقابة الصارمة، باتت اليوم لاعباً مالياً مؤثراً ومصدراً رئيسياً للسيولة التي تحتاجها استوديوهات هوليوود في مرحلة تتسم بارتفاع التكاليف وتراجع الإيرادات التقليدية.
ويرتبط هذا التحول بشكل مباشر بإطلاق «رؤية السعودية 2030» بقيادة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، والتي تهدف إلى تنويع الاقتصاد وتقليص الاعتماد على النفط، عبر فتح قطاعات جديدة أبرزها السياحة، والرياضة، وصناعة الترفيه.
وفي هذا السياق، وجدت الرياض في هوليوود شريكاً استراتيجياً قادراً على تحقيق عوائد مالية، وفي الوقت نفسه خدمة طموحات المملكة في تحسين صورتها الدولية وتوسيع نفوذها الثقافي.
وبحسب ما أوردته صحيفة لوس أنغلوس تايمز، لعبت القوة المالية السعودية دوراً حاسماً في هذا التقارب. فقد ضخّت صناديق الثروة السيادية، وفي مقدمتها صندوق الاستثمارات العامة، مليارات الدولارات في استوديوهات سينمائية كبرى، وشركات إنتاج، ومنصات بث رقمية.
ووفرت هذه الاستثمارات لهوليوود رأس مال حيوياً لتمويل أفلام ضخمة الميزانيات، وتوسيع عمليات الإنتاج، والمغامرة بمشاريع كان يُنظر إليها سابقاً على أنها عالية المخاطر.
وإلى جانب المال، تمثل السعودية سوقاً واعدة وجديدة نسبياً للترفيه العالمي. فمنذ رفع الحظر عن دور السينما عام 2018، شهدت المملكة توسعاً سريعاً في افتتاح المجمعات السينمائية الحديثة، بما في ذلك صالات «آيماكس» الفاخرة.
وخلق هذا التوسع جمهوراً متعطشاً للأفلام العالمية، ما دفع الاستوديوهات إلى إعطاء السوق السعودية أولوية خاصة في خطط التوزيع والحملات التسويقية.
وقد انعكس ذلك عملياً على عدد من الإنتاجات الهوليوودية التي استفادت من التمويل أو الشراكات السعودية. فبالنسبة للاستوديوهات، لا يعني المال السعودي مجرد تمويل إضافي، بل بوابة إلى سوق جديدة وضمانة لانتشار أوسع للأعمال السينمائية في منطقة الشرق الأوسط.
لكن هذا التقارب لا يخلو من جدل واسع داخل الأوساط الثقافية والإعلامية الغربية. إذ يرى منتقدون أن السعودية توظف استثماراتها في هوليوود كأداة لـ«القوة الناعمة»، بهدف تلميع صورتها الدولية والتخفيف من حدة الانتقادات الموجهة إليها بشأن حقوق الإنسان.
ويستحضر هؤلاء باستمرار جريمة قتل الصحفي جمال خاشقجي عام 2018، باعتبارها دليلاً على التناقض بين الخطاب الثقافي المنفتح الذي تروّج له المملكة وسلوكها السياسي.
كما يواجه العاملون في المجال الإبداعي معضلات أخلاقية متزايدة. فالمخرجون والممثلون والكتّاب يجدون أنفسهم أمام خيار صعب بين الاستفادة من التمويل السخي والمخاوف من الإضرار بسمعتهم المهنية أو الظهور بمظهر المتواطئ مع سياسات مثيرة للجدل.
ورغم هذه التحفظات، تبقى الحقيقة الأساسية أن المال السعودي أصبح عاملاً مؤثراً في إعادة تشكيل صناعة الترفيه العالمية.
فهوليوود، التي تعاني من منافسة منصات البث وتراجع شباك التذاكر في بعض الأسواق، تجد صعوبة متزايدة في تجاهل الاستثمارات القادمة من الرياض.
وفي المقابل، ترى السعودية في هذا الانخراط وسيلة استراتيجية لإعادة تعريف صورتها عالمياً، وتكريس حضورها كلاعب ثقافي واقتصادي مؤثر.
الرابط المختصر https://gulfnews24.net/?p=73392



