المال والأعمال

 خفض الفائدة الأميركية… تداعيات واسعة على اقتصادات الخليج

مع اقتراب بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي من خفض ثالث مرتقب لأسعار الفائدة هذا العام، تدخل اقتصادات الخليج مرحلة جديدة من التحدي.

فالدول الست – باستثناء الكويت التي تعتمد سلة عملات – مرتبطة عملاتها بالدولار الأميركي، ما يعني أن خطوتها التالية محسومة تقريباً: خفض موازٍ للفائدة، بغض النظر عن ظروفها المحلية.

إلا أن المشهد داخل الولايات المتحدة، بما فيه من انقسامات داخل لجنة السوق المفتوحة الفيدرالية وتوترات بين التضخم والوظائف، يضيف طبقة من الغموض إلى السياسات النقدية الخليجية في عام 2026.

الارتباط بالدولار… مصدر استقرار ومصدر قيود

منح ارتباط الريال والدرهم والدينار البحريني بالدولار الخليج استقراراً نقدياً وهروباً من تقلبات سعر الصرف عبر عقود. لكن هذا الارتباط يأتي بثمن: محدودية القدرة على إدارة أسعار الفائدة وفق متطلبات الاقتصاد المحلي.

ومع اتجاه الاحتياطي الفيدرالي إلى خفض جديد بمقدار 25 نقطة أساس، ستجد البنوك المركزية الخليجية نفسها مجبرة على التحرك بالاتجاه ذاته للحفاظ على استقرار عملاتها ومنع تدفقات رأسمالية معاكسة.

إلا أن المفارقة تكمن في أن السياسات النقدية الأميركية اليوم لا تعكس الظروف الاقتصادية الخليجية، بل استجابة لضعف سوق العمل الأميركي ومخاوف تباطؤ النمو الداخلي في الولايات المتحدة. وفي المقابل، تواجه دول الخليج واقعاً اقتصادياً مختلفاً، يقوم على نمو قوي للسيولة، وموجات تشييد ضخمة، وقروض استهلاكية مرتفعة، وتضخم مستورد من السلع العالمية.

لذلك، قد يؤدي خفض الفائدة الأميركي – ومن ثم الخليجي – إلى زيادة المعروض النقدي في اقتصادات الخليج بشكل لا يتناسب مع قدرتها على استيعابه، مما يعمّق اختلالات قائمة بالفعل في أسواق العقار والاستهلاك.

قطاع العقار الخليجي… المستفيد الأكبر من خفض الفائدة

إحدى أكثر الساحات تأثراً هي أسواق العقارات في السعودية والإمارات وقطر.

فخفض الفائدة سيزيد الطلب على التمويل العقاري، ويرفع أسعار الأصول، ويشجع المستثمرين على الاقتراض. وفي أسواق تعيش أصلاً موجات تضخم عقاري – كما في دبي والرياض – قد يفاقم ذلك مخاطر فقاعة سعرية.

في الإمارات خصوصاً، حيث تُظهر البيانات ارتفاع الإيجارات وتزايد معروض الوحدات، سيعني خفض الفائدة ضخ مزيد من السيولة إلى القطاع، ودفع المستثمرين الأفراد لشراء عقارات على أمل ارتفاع الأسعار.

وعلى المدى القصير، هذا مفيد للمطورين، لكنه على المدى المتوسط يزيد احتمالات تصحيح حاد إذا تباطأ الطلب الخارجي أو دخل الاقتصاد الأميركي في ركود.

أما السعودية، التي تقود أكبر طفرة عمرانية في تاريخها ضمن مشروعات “رؤية 2030”، ستجد نفسها أمام خيار صعب: خفض الفائدة لدعم القطاع العقاري الضخم، أو الحفاظ على الانضباط المالي لتجنب تضخم مفرط.

البورصات والسيولة… تحسّن في المعنويات ولكن بحدود

عادةً ما يؤدي خفض الفائدة الأميركية إلى تحسين شهية المخاطرة عالمياً. وهذا ينعكس على أسواق الأسهم الخليجية عبر:
ارتفاع السيولة بحيث يصبح الاقتراض أقل تكلفة، وتزداد قدرة المستثمرين على التمويل.

تحسن تقييمات الأسهم خاصة في القطاعات الحساسة للفائدة مثل المصارف والإنشاءات والعقار.

زيادة الاستثمارات الأجنبية خصوصاً مع بقاء عوائد السندات الأميركية في مسار هابط.

لكن هذه الإيجابيات قد تواجه عوامل معاكسة. فالغموض داخل الاحتياطي الفيدرالي – بين صقور يخشون التضخم وحمائم يحذرون من ضعف سوق العمل – يزيد قلق المستثمرين الخليجيين، ويجعل أي هبوط مفاجئ في الأسواق الأميركية قابلًا للانتقال فوراً إلى الأسواق الخليجية.

النفط… العامل الذي قد يعيد رسم الاتجاه

ستبقى أسعار النفط المتغير الأهم. فعادةً ما يؤدي خفض الفائدة الأميركية إلى إضعاف الدولار وارتفاع أسعار السلع، وعلى رأسها النفط.

لكن في ظل تباطؤ الاقتصاد الأميركي واحتمال ضعف الطلب العالمي، فإن أثر خفض الفائدة قد يكون محدوداً مقارنة بالسنوات الماضية.

ويضع ذلك ميزانيات دول الخليج – وخاصة الدول ذات الإنفاق الرأسمالي الكبير مثل السعودية – أمام ضغوط محتملة إذا شهدت أسعار النفط تقلبات حادة خلال 2026.

كما أن خفض الفائدة سيؤدي إلى ارتفاع الإقراض الاستهلاكي وزيادة قروض الشركات وتراجع عوائد البنوك من الإقراض طويل الأمد لكن الخطر الأكبر يكمن في تزايد مديونية الأسر والشركات.

وقد شهدت بعض دول الخليج مستويات مرتفعة من الاقتراض خلال السنوات الأخيرة، ما يجعل خفض الفائدة حافزاً لمزيد من الديون التي قد تتحول إلى عبء مع أي صدمة اقتصادية مستقبلية.

وعليه فبين انقسام الاحتياطي الفيدرالي وغموض التوقعات الأميركية وتغير القيادة المحتمل في واشنطن والمؤسسة النقدية، تقف اقتصادات الخليج في منطقة رمادية. فهي مضطرة لمجاراة الفيدرالي لضمان استقرار عملاتها، لكنها في الوقت نفسه تتحمل تبعات سياسات لم تُصمَّم لاقتصاداتها.

وتأثير خفض الفائدة سيكون مزدوجاً: دعم مؤقت للنشاط الاقتصادي، لكنه يزيد المخاطر المتراكمة في العقار والديون والسيولة. ومع دخول 2026، تبدو دول الخليج أمام مفترق طرق يتطلب توازناً دقيقاً بين الحفاظ على النمو ومنع تراكم فقاعات مالية قد تكون كلفتها عالية في المستقبل.

الرابط المختصر https://gulfnews24.net/?p=73231

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى