المال والأعمال

ارتفاع أسعار النفط رغم إعلان المنتجين زيادة جديدة في الإمدادات

ارتفعت أسعار النفط العالمية بشكل ملحوظ يوم الاثنين، متجاوزة توقعات كثير من المحللين، وذلك على الرغم من إعلان مجموعة من ثماني دول منتجة للنفط، تقودها السعودية، عن زيادة جديدة في الإمدادات اعتبارًا من أكتوبر المقبل.

وأوضحت المجموعة، التي تضم السعودية وروسيا والعراق والإمارات والكويت وكازاخستان والجزائر وعُمان، أنها ستزيد الإنتاج بمقدار 137 ألف برميل يوميًا.

ورغم أن هذه الزيادة تبدو متواضعة مقارنة بحجم السوق العالمية، فإنها تحمل رسالة سياسية واقتصادية مهمة، مفادها أن المنتجين انتقلوا من نهج التقييد الصارم إلى المرونة في إدارة المعروض.

في الوقت نفسه، ارتفع سعر خام برنت بنحو 1.5% ليصل إلى 66.52 دولارًا للبرميل في بورصة إنتركونتننتال في لندن، وهو ما يعكس ثقة المتداولين بأن السوق قادرة على امتصاص هذه الزيادة دون حدوث تخمة.

خلفية عن مسار الإنتاج

بدأت الدول المنتجة منذ أبريل الماضي تطبيق خطة لزيادة تدريجية في الإنتاج. ورغم أن الخطوة الأولى أثارت مخاوف من فائض في المعروض أدى إلى تراجع الأسعار مؤقتًا، فإن السوق سرعان ما استقرت، خاصة بعد أن اتضح أن معظم المنتجين يواجهون صعوبات في تحقيق زيادات كبيرة.

ويشير خبراء إلى أن إلغاء حزمة التخفيضات الأولى كان بمثابة اختبار حاسم. فقد أثبتت هذه الخطوة أن مرونة السوق أكبر مما كان يُعتقد، وأن الطلب على الوقود أكثر قوة، رغم التوترات التجارية العالمية والتقلبات الاقتصادية.

والدول الثماني التي أعلنت الزيادة الأخيرة هي جميعها أعضاء في تحالف أوبك+. هذا التحالف أنهى بالفعل إحدى حزم خفض الإنتاج التي اتفق عليها عام 2020، وبدأ الآن في تفكيك حزمة أخرى وُقعت في 2023 بواقع 1.65 مليون برميل يوميًا.

ووفق البيان فإن هذه التخفيضات قد تُعاد إلى السوق “جزئيًا أو كليًا بحسب ظروف السوق المتغيرة”. أما الحزمة الثالثة، الأكبر حجمًا، والبالغة مليوني برميل يوميًا، فلا تزال سارية حتى إشعار آخر.

ثقة متزايدة في السوق

يرى محللون أن خطوة رفع الإنتاج لم تؤدِّ إلى اهتزاز الأسواق كما كان متوقعًا، بل عززت الثقة لدى المتداولين.

ويقول بول هورسنيـل، المحلل المستقل ورئيس مجلس محافظي “معهد أوكسفورد لدراسات الطاقة”، إن “إلغاء الخفض الأول كان خطوة جريئة للغاية، لكنه كشف الكثير من المعلومات الجوهرية عن مرونة الطلب وقدرة المنتجين الفعلية”.

وبحسب تقديرات شركة “إنرجي أسبكتس” البحثية، فإن الزيادة الحقيقية في الإنتاج منذ مارس حتى سبتمبر بلغت نحو 1.7 مليون برميل يوميًا فقط، مقارنة بالإعلانات الرسمية التي تحدثت عن زيادة بـ2.5 مليون برميل يوميًا.

هذا الفارق بين المعلن والمُنفّذ ساعد على تهدئة السوق، إذ لم يشهد المتداولون تدفقًا هائلًا من الإمدادات يمكن أن يغرق الأسواق العالمية.

الدور السعودي في المشهد النفطي

كانت السعودية المستفيد الأكبر من هذه التحولات. إذ شكّلت وحدها ما يقارب 70% من إجمالي الزيادة في إنتاج المجموعة بين أبريل ويوليو، وفق بيانات وكالة الطاقة الدولية.

ويعكس ذلك قدرتها على ضخ كميات إضافية أكبر مقارنة ببقية الأعضاء الذين واجهوا قيودًا تقنية أو مالية أعاقت توسيع إنتاجهم.

في المقابل، ظل بعض المنتجين مثل العراق والجزائر وكازاخستان عاجزين عن تحقيق مستويات الزيادة المتفق عليها، ما عزز موقع الرياض كقوة محورية في ضبط إيقاع سوق النفط.

البعد السياسي والاقتصادي

قرار زيادة الإنتاج لم يكن بمعزل عن التطورات السياسية. ففي مارس الماضي، أقدمت السعودية وحلفاؤها على رفع الإمدادات رغم حالة عدم اليقين الناتجة عن الحروب التجارية التي أطلقها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.

ويرى مراقبون أن حرص الرياض على إرضاء واشنطن – التي تضع نصب عينيها أسعار البنزين للمستهلك الأمريكي – لعب دورًا في هذا القرار.
كما أن تبسيط الرسائل الموجهة إلى السوق بات هدفًا سعوديًا مهمًا. فبعد أن تسببت التعقيدات والصفقات المتعددة داخل أوبك+ في إرباك المتداولين، ظهر توجه جديد يقضي بالوضوح والجرأة، ما يفسر نهج “التفكيك المرحلي” لحزم التخفيضات.

وتُظهر هذه التطورات أن سوق النفط يسير في اتجاه مغاير لما كان عليه خلال سنوات الجائحة، حين كان التركيز منصبًا على تخفيضات حادة لحماية الأسعار. اليوم، باتت الزيادة المدروسة في الإنتاج أداة لتعزيز الثقة وإظهار القدرة على الاستجابة للطلب العالمي المتنامي.
مع ذلك، يبقى الطريق محفوفًا بالتحديات، أبرزها:

التقلبات الاقتصادية العالمية التي قد تؤثر على الطلب على الطاقة.

قدرة بعض المنتجين على الالتزام بزيادة الإنتاج، في ظل أزمات مالية أو بنية تحتية ضعيفة.

المنافسة مع مصادر الطاقة البديلة التي تواصل تسجيل تقدم في الأسواق الغربية.

الرابط المختصر https://gulfnews24.net/?p=72669

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى