“لا فرصة لمنافسة الحكومة”.. رواد أعمال سعوديون يشتكون من هيمنة الدولة
رغم الخطاب الرسمي المتفائل الذي يروج لانفتاح السعودية وتحديث اقتصادها في عهد ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، تتعالى في الكواليس أصوات بعض رواد الأعمال السعوديين الذين يشعرون بأن واقع السوق يزداد صعوبة عليهم يوماً بعد يوم.
يشكو هؤلاء من أن المشاريع الحكومية العملاقة، التي يُنظر إليها كأيقونات لرؤية 2030، تحوّلت إلى منافس جارف يزاحم القطاع الخاص ويضعفه بدلاً من تمكينه. يقول أحد رجال الأعمال السعوديين، رفض الكشف عن هويته لموقع NZZ السويسري: “بالكاد لدينا فرصة ضد القوة المالية المشتركة للوزارات أو صندوق الاستثمارات العامة.”
هيمنة صندوق الاستثمارات العامة
يعتبر صندوق الاستثمارات العامة (PIF) الأداة الرئيسية التي يستخدمها محمد بن سلمان لتنفيذ مشاريع رؤية 2030 وتحقيق التحول الاقتصادي بعيداً عن النفط. غير أن الصندوق، الذي يملك أصولاً بمئات المليارات من الدولارات، صار يدخل تقريباً في كل قطاع اقتصادي واعد، بدءاً من المدن المستقبلية مثل “نيوم”، إلى تنظيم حفلات البوب الفخمة التي يقيمها تركي آل الشيخ، وحتى شراء نوادٍ رياضية أوروبية ولاعبي كرة قدم عالميين مثل كريستيانو رونالدو في الدوري السعودي.
وبحسب محللين اقتصاديين، فإن دخول الصندوق على هذا النحو إلى مختلف القطاعات، بدلاً من تحفيز القطاع الخاص، يجعل المنافسة غير متكافئة. فالصندوق لا يعتمد على استثمارات مربحة بالضرورة، بل على تدفقات مالية من أموال النفط. يقول أحد المراقبين: “إذا خسر الصندوق مشروعاً أو تأخر في تحقيق عوائد، فهو قادر على الصمود بفضل الأموال النفطية، بينما القطاع الخاص لا يستطيع تحمل مثل هذه الخسائر.”
النفط لا يزال الممول الأول
رغم أحاديث ولي العهد السعودي المتكررة عن “تنويع الاقتصاد”، لا تزال السعودية تعتمد على النفط كمصدر أساسي لتمويل كل شيء تقريباً. حتى اليوم، لا تزال الدمام النفطية القلب النابض للاقتصاد السعودي، ويظل “الذهب الأسود” المصدر الأول الذي يغذي ميزانية الدولة وصندوق استثماراتها العملاق.
وتبرز الصعوبات بوضوح أكبر مع تراجع أسعار النفط عالمياً، إذ شهد صندوق الاستثمارات العامة انخفاضاً حاداً في أرباحه بنسبة 60% خلال عام 2024، وفقاً لتقارير اقتصادية. هذا التراجع يؤكد أن أي هزة في أسواق الطاقة تنعكس سريعاً على قدرة المملكة على تمويل مشاريعها الطموحة، ما يثير تساؤلات حول استدامة رؤية 2030 في غياب بدائل اقتصادية قوية.
صعوبة جذب الاستثمارات الأجنبية
تسعى السعودية منذ إطلاق رؤية 2030 إلى جذب استثمارات أجنبية بمليارات الدولارات، لكنها تواجه تحديات كبيرة. يتحدث محللون عن عدة أسباب وراء ذلك، من بينها الطبيعة التنافسية للدولة السعودية ذاتها. فالشركات الأجنبية، مثل المحلية، تخشى من أن تكون مشاريعها مهددة بدخول الصندوق السيادي السعودي كمنافس ضخم، أو بتغيّر السياسات الاقتصادية فجأة لأسباب سياسية أو أمنية.
وتشير بيانات اقتصادية إلى أن معدلات الاستثمار الأجنبي في المملكة أقل بكثير من التوقعات الرسمية التي أعلنتها الرياض قبل سنوات، وهو ما يعزز قلق المستثمرين من هشاشة بيئة الأعمال رغم الإصلاحات.
نقص الكوادر المحلية المدربة
التحدي الآخر الذي يواجه القطاع الخاص يتمثل في نقص العمالة السعودية المدربة. يقول رجل الأعمال السعودي الذي تحدث إلى NZZ: “السعودية بحاجة إلى عمال مدربين تدريباً جيداً، لكن النظام الدراسي لا يزال غير كافٍ، وما زلنا نعتمد كثيراً على العمالة الأجنبية.”
ورغم الجهود الرسمية لزيادة نسب السعودة، إلا أن غالبية الأعمال الفنية والتخصصية لا تزال تعتمد بشكل كبير على الأجانب، وهو ما يزيد من تكلفة تشغيل القطاع الخاص ويضعه في موقف أضعف عند المنافسة مع كيانات ضخمة ممولة من الحكومة.
طموح لا يخفي المخاطر
يرى محللون اقتصاديون أن رؤية 2030 مشروع طموح للغاية، لكنه محفوف بالمخاطر. فبينما تبدو صور المدن الذكية، والمشاريع السياحية الفاخرة، والبطولات الرياضية العالمية لامعة وجذابة، تظل التحديات الحقيقية كامنة في قدرة القطاع الخاص على الصمود والتوسع دون أن يسحقه نفوذ الدولة المالي.
ورغم إعلان الحكومة مراراً أنها تريد تمكين القطاع الخاص ليصبح محرك النمو الرئيسي للاقتصاد، إلا أن الواقع على الأرض يكشف عن منافسة غير متكافئة، تجعل رواد الأعمال السعوديين يشعرون بأنه “لا توجد فرصة حقيقية لمنافسة الحكومة.”
الرابط المختصر https://gulfnews24.net/?p=71955



