السعودية تدفع لاتفاق نووي مع واشنطن وإسرائيل تترقب
تشهد الساحة الإقليمية حراكًا نوعيًا على مستوى التوازنات الاستراتيجية بعد تصاعد مساعي السعودية للحصول على موافقة أمريكية لبناء برنامج نووي مدني متكامل، يتضمن بندًا حساسًا يتعلق بتخصيب اليورانيوم داخل المملكة.
وفي حين تبرر الرياض هذه الخطوة بمتطلبات “رؤية 2030” وتنويع مصادر الطاقة، تنظر تل أبيب إلى التطور ذاته باعتباره نافذة نادرة لإعادة تشكيل علاقتها النووية مع واشنطن، وربما انتزاع اعتراف ضمني ببرنامجها النووي غير المعلن.
وعلى مدى الأشهر الماضية، كثفت السعودية اتصالاتها مع الإدارة الأمريكية للحصول على إذن بإنشاء محطات طاقة نووية، في إطار مسعى طويل الأمد لتقليل الاعتماد على النفط وإقامة بنية تحتية للطاقة قادرة على دعم اقتصاد سعودي منخفض الكربون.
ولا تقتصر دوافع المملكة على الجانب الاقتصادي؛ فالملف يحمل أبعادًا استراتيجية حساسة.
فالسماح بتخصيب اليورانيوم، حتى عند مستويات منخفضة، يجعل السعودية الدولة العربية الأولى التي تحوز مثل هذه القدرة، ما يُعيد خلط الأوراق في توازن القوى الإقليمي—خصوصًا في ظل سباق نف influence بين السعودية وإيران وتركيا وإسرائيل.
وتشير مصادر غربية إلى أن الرياض تعتبر التكنولوجيا النووية جزءًا من الاستقلال الاستراتيجي، والانتقال التدريجي من موقع المستهلك والمستورد للطاقة إلى مركز إقليمي للطاقة النظيفة المتقدمة.
العقدة الكبرى: بند التخصيب والمادة 123
تُطالب السعودية بتقنية تسمح لها بإجراء عمليات تخصيب محلية، وهو أمر حساس للغاية تبتعد عنه الولايات المتحدة عادة في التعامل مع دول الشرق الأوسط.
فأي تعاون نووي أمريكي يخضع للمادة 123 من القانون الأمريكي، التي تفرض شروطًا قاسية تتعلق بالضمانات ومنع الانتشار. وتاريخيًا، كان الشرط غير القابل للمساومة هو “الاستثناء الذهبي” الذي يطالب الدولة المتعاونة بالتخلي الكامل عن التخصيب وإعادة المعالجة.
لكن الرياح الجيوسياسية تغيّرت، فاهتمام واشنطن باحتواء النفوذ الصيني والروسي في المنطقة، إلى جانب رغبتها في الحفاظ على التحالف مع الرياض، جعل الإدارة أكثر مرونة.
وتشير تقارير إسرائيلية إلى أن الولايات المتحدة تدرس منح السعودية رخصة تخصيب محدودة ضمن ترتيبات رقابية غير مسبوقة.
الفرصة الإسرائيلية: نافذة سياسية لا تتكرر
من زاوية إسرائيلية، يشكل الطلب السعودي لحظة فريدة. فالمنطق البسيط الذي يستخلصه المخططون في تل أبيب يقول:
إذا كانت واشنطن مستعدة لمنح دولة عربية قدرة نووية حساسة دون توقيع على الاستثناء الذهبي، فلماذا لا تُمنح إسرائيل، الحليف الاستراتيجي الأول للولايات المتحدة، ترتيبات مماثلة—خصوصًا أن إسرائيل ليست عضوًا أصلاً في معاهدة حظر الانتشار النووي (NPT)؟
وتستند إسرائيل في حجتها إلى سابقة مهمة متمثلة الاتفاق الأمريكي الهندي عام 2005.
فالهند، مثل إسرائيل، ليست موقّعة على معاهدة حظر الانتشار، ومع ذلك منحتها الولايات المتحدة وصولًا واسعًا للتكنولوجيا النووية المدنية، وسمحت ببناء مفاعلات جديدة مقابل آليات تفتيش خاصة ومحدودة.
وتجعل هذه السابقة إسرائيل ترى في الخطوة السعودية “اختراقًا” يمكن البناء عليه لإقناع الإدارة الأمريكية—وربما الكونغرس—بمنحها ترتيبات استثنائية مشابهة.
احتياجات الطاقة الإسرائيلية ذريعة مناسبة
تستعد إسرائيل—كما تكشف وثائق داخلية—لموجة تحول اقتصادي كبرى نحو الطاقة النظيفة. ومع أن تل أبيب تعتمد اليوم على الغاز الطبيعي من حقول المتوسط، إلا أن السيناريوهات طويلة المدى تدفعها للتفكير في مصادر بديلة.
لذلك، تقدم إسرائيل ملفها النووي كمسألة تنويع للطاقة لا علاقة له بالسلاح النووي أو بالغموض الاستراتيجي الذي تتبناه منذ عقود.
وتعتقد أوساط إسرائيلية أن اللحظة السياسية مواتية في ظل علاقة وثيقة مع إدارة ترامب تشكيل اصطفاف أمريكي–خليجي–إسرائيلي جديد في ظل رغبة سعودية في صفقة أمنية شاملة قد تشمل تطبيعًا مع إسرائيل وتراجع مكانة الوكالة الدولية للطاقة الذرية في ضبط الاتفاقات الاستثنائية.
قلق إقليمي متصاعد
على الرغم من الطابع “المدني” المعلن، تتوجس دول المنطقة من أي برنامج نووي سعودي يشمل تخصيبًا محليًا، خصوصًا إيران التي ترى في الأمر بداية سباق نووي قد يمتد إلى الإمارات ومصر وتركيا.
أما تركيا، فتراقب الملف باعتباره مؤشرًا على نية الخليج—خصوصًا السعودية والإمارات—امتلاك بنية تحتية نووية مستقلة، ما قد يغير المعادلات الأمنية في شرق المتوسط والبحر الأحمر.
زتدرك الولايات المتحدة حساسية منح قدرة تخصيب لدولة غير موقعة على “الاستثناء الذهبي”. لكنها في الوقت نفسه تسعى إلى تحقيق ثلاثة أهداف:
منع السعودية من اللجوء إلى الصين أو روسيا للمشروعات النووية.
دمج الرياض في ترتيبات أمنية إقليمية تتضمن تعاونًا غير مباشر مع إسرائيل.
ضمان استمرار القيادة الأمريكية في السوق النووية المدنية.
ويجعل هذا التوازن المعقد الصفقة المحتملة مع السعودية خطوة سياسية قبل أن تكون تقنية.
وإذا حصلت السعودية على الضوء الأخضر الأمريكي، فإن الشرق الأوسط سيدخل مرحلة جديدة تمامًا:
• أول برنامج تخصيب عربي خاضع لترتيبات رقابية خاصة
• سباق تقني واقتصادي بين السعودية والإمارات ومصر وتركيا
• فرصة لإسرائيل لإعادة تعريف علاقتها النووية مع واشنطن
• تحول في بنية التحالفات الإقليمية باتجاه محور أمريكي–خليجي–إسرائيلي
ولذلك، لا ينظر مراقبون إسرائيليون للخطوة السعودية بقلق فقط، بل كـ فرصة استراتيجية نادرة قد تسمح لإسرائيل بتحقيق اختراق تاريخي في ملفها النووي المدني، من دون المساس بسياسة “الغموض النووي” التي تبقي قدراتها العسكرية خارج أي التزام دولي.
الرابط المختصر https://gulfnews24.net/?p=73213



