التايمز: انعدام الثقة بنتنياهو يغذّي الشكوك العربية في نجاح اتفاق إنهاء حرب غزة
بينما احتفى العالم بإطلاق سراح دفعات من الأسرى الفلسطينيين والإسرائيليين بوصفها فاتحة مرحلة جديدة، تُحذّر قراءات عربية نقلتها صحيفة “التايمز” البريطانية، من أن ما جرى ليس سوى الخطوة الأولى في مسار بالغ الهشاشة، تحكمه خطة من 20 بندًا صاغها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع زعماء من الخليج والعالم الإسلامي وأُدخلت عليها تعديلات إسرائيلية قبل إعلانها في البيت الأبيض الشهر الماضي.
وجوهر التحفّظ العربي، كما تكشفه مصادر ودبلوماسيون، هو فقدان الثقة برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وقدرته—أو رغبته—في التقيّد بالتزامات ما بعد الحرب.
ويصف حسام زكي، الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، المشهد بأنه “وضعية شديدة الهشاشة”: الجميع يريد نجاح الاتفاق، لكن مسار التنفيذ مفخّخ بعقبات يمكن أن تُحرف المسار برمته.
وفي منظور العواصم العربية، يتوقف الكثير على استمرار انخراط واشنطن المباشر؛ فكلما بدا ترامب مشجَّعًا على المضي قدمًا بعد المرحلة الأولى، تعاظمت فرص الانتقال إلى البنود اللاحقة وتفكيك العُقد بندًا بندًا.
في صلب الخطة تكمن معادلة الأمن والحكم في غزة. فقد انسحبت القوات الإسرائيلية من نحو نصف أراضي القطاع للسماح بإتمام ترتيبات إطلاق سراح الأسرى، لكن ذلك فتح نافذة لعودة مسلّحي حماس إلى الشوارع، مع تعهّدات علنية بـ“ملاحقة المتعاونين والخونة”، ومن ضمنهم تشكيلات محلية سلّحتها إسرائيل لتوليد مقاومة داخلية ضد الحركة.
وهنا تطرح الخطة مطلبين متعارضين ظاهريًا: تنزع حماس سلاحها وتتخلّى عن الحكم، فيما تصرّ إسرائيل على قطاع منزوع السلاح بالكامل.
وبين هذين الحدّين، تقترح الحركة—وفق ما نُقل—تسليم السلاح إلى قوة فلسطينية جديدة لا إلى إسرائيل، وهو ما يَعِدُ بصداع تفاوضي مقبل حول هوية الجهة الضامنة ومَن يمتلك “مفتاح” القوة على الأرض.
وتلوح فكرة “قوة استقرار دولية” لمواكبة نزع السلاح والتسريح، مع إشارات إلى استعدادات أولية من دول مثل إندونيسيا، ودراسة المشاركة من مصر وتركيا.
لكن تحويل هذا التصوّر إلى هيكل موثوق يتطلب محادثات رسمية تشمل حماس وإسرائيل، وتوافقًا على قواعد الاشتباك والولاية القانونية ومصادر التمويل.
وتزيد تعقيدات المشهد وجود بندٍ—أشار إليه الأكاديمي السعودي عزيز الغشيان—يسمح، إذا تعثّر التنفيذ ورفضت حماس الشروط، بأن تعمل قوة الاستقرار “جنبًا إلى جنب” مع قوات الدفاع الإسرائيلية.
وبالنسبة لكثير من الدول، يُعدّ التعاون الميداني المباشر مع الجيش الإسرائيلي خطًا أحمر، ما يُهدِّد بتقويض جاهزية أي قوة دولية منذ لحظة التشكيل.
ويغذّي انعدام الثقة بنتنياهو الشكوك العربية مركزيًا. فالذاكرة الإقليمية ما تزال طازجة حيال تعهّدات إسرائيلية لم تُستكمل—ومنها التعاطي مع ترتيبات ما بعد وقف إطلاق النار في لبنان العام الماضي—في مقابل واقع ميداني يكرّس “الاعتماد على القوة” ومرونة سياسية ضئيلة.
في المقابل، جاء خطاب ترامب في الكنيست برسالة ضغط واضحة مفادها أن واشنطن لن تنظر بعين الرضا إلى أي عودة إسرائيلية للأعمال العدائية تقوّض الاتفاق.
إلا أن الرهان العربي لا يتوقف عند نبرة خطاب؛ بل عند ضمانات تنفيذية قابلة للقياس وجدولة زمنية تحصّن المسار من ارتدادات السياسة الداخلية في إسرائيل.
ويتموضع اجتماع شرم الشيخ داخل هذا السياق: مناسبة لمنح ترامب “رصيدًا سياسيًا” يحفّزه على البقاء منخرطًا على المدى الطويل. وقد أعلن عزمه ترؤس “مجلس السلام الدولي” للإشراف على حكومة فلسطينية تكنوقراطية انتقالية، ودعا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي للانضمام، فاستجاب الأخير مؤكدًا الحضور.
كما أضيف محمود عباس إلى لائحة المدعوين في إشارة إلى أن التمثيل الفلسطيني الرسمي سيكون لازمًا في تركيب الإدارة الانتقالية، ولو بحدود.
غير أن التحدي الأكبر ربما يكمن في “اقتصاد المسار”. فقد لمح ترامب إلى أن الدول الخليجية “الثرية جدًا” ستموّل إعادة إعمار غزة، وهو ما يمنح هذه العواصم نفوذًا للمطالبة بعملية سياسية ذات صدقية، لكنه يفتح أيضًا باب احتكاكات طويلة الأمد مع إسرائيل إذا ما حاولت تل أبيب التأثير على وجهة التمويل وشروطه.
من جهة أخرى، يظل المزاج الشعبي العربي—وبخاصة في الخليج—متشككًا، ما يضيّق هوامش المناورة الحكوميّة من دون مقابل سياسي محسوس للفلسطينيين.
وبين هواجس الأمن واشتراطات السياسة وضغوط الداخل، تبدو فرص نجاح اتفاق إنهاء حرب غزة رهينة “هندسة ثقة” صعبة: استمرار انخراط أمريكي ضامن، إطار حوكمة انتقالية واضح في غزة، ترتيبات نزع سلاح قابلة للتنفيذ من دون شراكات ميدانية محرِجة دوليًا، وخارطة طريق تُبقي فكرة الدولة الفلسطينية ضمن أفقٍ قابل للتصديق.
من دون ذلك، قد يتحوّل إطلاق سراح الأسرى إلى محطة رمزية في مسار متعرّج، فيما يبقى السؤال المُلحّ عربيًا: هل يَفي نتنياهو بما يلتزم به—أم يضيف حلقة جديدة إلى سلسلة الوعود المؤجّلة؟
الرابط المختصر https://gulfnews24.net/?p=72928



