الإيكونومست: محمد بن سلمان لم يعد بحاجة لورقة التطبيع لكسب واشنطن
سلّطت مجلة الإيكونومست الضوء على تحوّل جوهري في موقع السعودية داخل معادلة التطبيع الإقليمي، وعلى تبدّل في حسابات واشنطن تجاه المملكة، بحيث لم يعد الاعتراف بإسرائيل شرطًا أساسيًا للحصول على ميزات سياسية وأمنية من الإدارة الأميركية.
وقالت المجلة إن هذا التحول يعكس مشهدًا إقليميًا متغيرًا منذ توقيع اتفاقات أبراهام عام 2020، وما تبعها من حرب غزة والمعارك السياسية داخل إسرائيل والولايات المتحدة.
وعلى مدى سنوات، ركزت دوائر صنع القرار الأميركية على سؤال واحد: من سينضم لاحقًا إلى الاتفاقات؟ كانت الترشيحات تتراوح بين سوريا والسعودية، إلى أن أعلن مبعوث الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، ستيف ويتكوف، عن دولة جديدة مستعدة للتوقيع.
لكن المفاجأة أن الدولة لم تكن عربية مركزية أو إقليمية، بل كازاخستان—الدولة التي تقيم أصلًا علاقات دبلوماسية مع إسرائيل منذ 1992. هذه الخطوة، رغم إعلانها، لم تعتبر اختراقًا سياسيًا، بل تأكيدًا لتراجع الزخم الحقيقي للاتفاقات خلال فترة الحرب في غزة.
ورغم الصمود النسبي لاتفاقات أبراهام خلال عامين من الحرب، فإن توسيعها بات أكثر صعوبة. ومع الزيارة المرتقبة لولي العهد السعودي محمد بن سلمان للبيت الأبيض في 18 نوفمبر، يدخل الملف مرحلة جديدة.
وبحسب المجلة فإن القائمة التي يحملها الأمير معه طويلة: اتفاق دفاعي رسمي أو شبه رسمي، تعاون نووي مدني، وصفقة متقدمة للحصول على مقاتلات F-35.
لكن ما يغيب عن جدول أعمال ولي العهد السعودي—عن قصد—هو مسألة الاعتراف بإسرائيل. فالسعودية كانت واضحة منذ البداية: لا تطبيع مع إسرائيل من دون انطلاق عملية سياسية جادة مع الفلسطينيين.
ورغم الضغوط العلنية، يشير التقرير إلى أن مسؤولين جمهوريين يعترفون، في الغرف المغلقة، بأن ترامب يتسامح مع هذا التردد السعودي، على الأقل في الوقت الحالي.
والاتفاقات الأصلية حافظت على تماسكها رغم الحرب. الإمارات والمغرب حافظتا على مستويات عالية من التعاون العسكري والاقتصادي مع إسرائيل، بل وساهمت شركات الطيران الإماراتية في إبقاء “جسر جوي” مفتوحًا إلى تل أبيب عندما تراجعت شركات عالمية عن ذلك.
وقد ارتفع حجم التجارة بين الإمارات وإسرائيل إلى 3.2 مليارات دولار في العام الماضي. ويعتبر مؤيدو الاتفاقات هذا شكلًا طبيعيًا من العلاقات، مشيرين إلى أن الدول لا تقطع علاقاتها الدبلوماسية لمجرد وقوع نزاع ما، كما هو الحال بين الولايات المتحدة وروسيا.
لكن هذا الصمود لا يخلو من التوترات. فمنذ توقيع الاتفاقات، حصلت الإمارات على تعهد بتجميد الحديث عن ضم الضفة الغربية. وتعرضت للحرج عندما أعاد بنيامين نتنياهو طرح الموضوع مجددًا، قبل أن يتراجع تحت ضغط إماراتي واضح نُقل علنًا وسرًا. هذه الحادثة تظهر أن الاتفاقات ليست ثابتة، وأن قدرتها على الصمود مرتبطة بتصرفات الحكومة الإسرائيلية نفسها.
على صعيد آخر، يسعى ترامب إلى توسيع الاتفاقات لتشمل دولًا أخرى، من بينها سوريا ولبنان. ورغم استعداد القيادة السورية المؤقتة للسلام من حيث المبدأ، فإن العقبات الميدانية والسياسية—خصوصًا المتعلقة بالانسحاب الإسرائيلي من الأراضي التي احتلت بعد سقوط نظام الأسد—تجعل التوقيع الفعلي غير مرجح قريبًا.
أما لبنان، فرغم تغير المزاج العام تجاه فكرة التفاوض مع إسرائيل، فإن الوصول إلى اتفاق شبيه بأبراهام يبدو بعيدًا، لأسباب اجتماعية وسياسية أعمق.
وسط كل ذلك، تُعد السعودية الجائزة الكبرى للولايات المتحدة وإسرائيل. اعتراف سعودي بإسرائيل قد يؤدي إلى تفاعل إقليمي واسع، يشجع دولًا عربية وإسلامية أخرى على خطى مشابهة.
وكانت إدارة جو بايدن قد اقتربت من إنجاز صفقة مماثلة عام 2023، لكنها تعطلت بسبب حرب غزة ورفض الرياض التخلي عن مطلب إقامة دولة فلسطينية. ومنذ ذلك الحين، تبدي السعودية انزعاجًا من التكهنات المستمرة حول قرب توقيع صفقة، مؤكدة أنها لم تغيّر موقفها.
لكن ما تغير بالفعل هو حاجة السعودية للتطبيع. فبحسب تقرير الإيكونومست، لم تعد المملكة تحتاج إلى هذه الورقة لاستعادة مكانتها في واشنطن. على العكس، يرى مسؤولون في الكونغرس أن النظرة الأميركية للسعودية “تغيّرت جذريًا”.
فقد تبنت الرياض سياسة خارجية براغماتية، وقدمت وعودًا باستثمارات ضخمة داخل الولايات المتحدة، ونجحت في إعادة صياغة صورتها بعيدًا عن ملفات اليمن وخاشقجي.
وتشير المعطيات إلى أن محمد بن سلمان سيحصل غالبًا على اتفاق دفاعي—ولو بصيغة تنفيذية غير ملزمة—مع تقدم حقيقي في مشروع التعاون النووي. كما بدأت واشنطن بالفعل في وضع إطار لصفقة F-35 مع الرياض، رغم أن التسليم سيستغرق سنوات.
في النهاية، تواصل السعودية استخدام ورقة التطبيع كأداة ضغط مفيدة، من دون تقديم تنازلات فورية. وتعمق في الوقت ذاته علاقاتها الاقتصادية السرية مع إسرائيل، في علاقة تبدو عملية وهادئة لكنها تتجنب الالتزام السياسي الكبير.
ومع استمرار إسرائيل في سياساتها الراهنة، يبدو أن اتفاقًا سعوديًا—إن حدث—سيكون مشروطًا، وبثمن سياسي حقيقي تدفعه إسرائيل، وليس مجرد امتياز تحصل عليه تلقائيًا.
الرابط المختصر https://gulfnews24.net/?p=73096



