الإمارات من عاصمة النفط إلى احتضان شبكات غسيل أموال منظمة
في الوقت الذي يُسوّق فيه قادة الإمارات بلادهم باعتبارها مركزًا عالميًا للاستثمار والابتكار، تتكشف على الأرض صورة مغايرة تمامًا: شبكات غسيل أموال منظمة تعمل تحت ستار النظام المالي، بمستويات من الحماية والتغاضي تجعلها أقرب إلى وظيفة بنيوية في الدولة، لا مجرد جرائم فردية.
وفي الأشهر الأخيرة، أُدين بَلفيندر سينغ ساهني، رجل أعمال هندي مقيم في دبي، بتهم غسل أموال عبر شبكة شركات واجهة وتحويلات عابرة للحدود. ورغم أن محكمة الاستئناف خفّضت عقوبته من 5 سنوات إلى 4 فقط، أبقت على الغرامة البالغة 150 مليون درهم، وهو المبلغ الذي يمثل الأموال المغسولة.
بالتزامن، أعلنت شرطة دبي تفكيك شبكة موازية ومصادرة 461 مليون درهم نقدًا، مع اعتقال 25 شخصًا تورطوا في تدوير الأموال عبر تبادل فواتير وشركات صورية وسماسرة حدوديين. لكن خلف هذه الأرقام، يظل السؤال الأهم: هل تُغيّر مثل هذه المحاكمات من طبيعة “المغسلة” الإماراتية؟ أم أنها مجرد عروض شكلية؟
وراء المشهد القضائي
تشير التجارب السابقة إلى أن الغرامات على البنوك وشركات الصرافة بسبب قصور إجراءات “اعرف عميلك” ليست سياسة جديدة بقدر ما هي إكسسوارات تنظيمية تُعرض للخارج. الهدف ليس تفكيك المنظومة، بل إقناع الشركاء الغربيين بأن أبوظبي جادة في الإصلاح.
ففي يوليو/تموز 2025، رُفع اسم الإمارات من القائمة الرمادية لمجموعة العمل المالي (FATF) بعد حملة علاقات عامة ضخمة وضغوط سياسية.
لكن، وفق خبراء ماليين، لم تُغلق القنوات الخلفية التي تسمح بتدفقات الأموال غير النظيفة، بل تم إعادة تلميعها فقط.
والسؤال الجوهري هو: لماذا تصرّ دولة تملك صناديق سيادية بقيمة 1.3 تريليون دولار على إبقاء اقتصادها ملاذًا للأموال القذرة؟
النفوذ السياسي: من يمرر أموال الآخرين يملك قرارهم. الأوليغارشيون الروس، سماسرة المعادن، وتجار مناطق النزاع، جميعهم يصبحون جزءًا من شبكة ولاءات تُدار من أبوظبي.
شراء الصمت الغربي: كلما تضخمت التدفقات المالية، تراجعت الضغوط الحقوقية. الحكومات الغربية تغض الطرف مقابل الاستثمارات والعقود.
تمويل “المشاريع السوداء”: من دارفور إلى ليبيا واليمن وحتى ملفات غزة، تُستخدم الأموال غير النظيفة كوقود للعمليات التي لا تريد أبوظبي أن تُنسب رسميًا إليها. تقارير غربية أكدت أن حتى الولايات المتحدة استفادت من هذه القنوات في صفقاتها غير المعلنة.
إدارة الذهب القذر: عبر تهريب مجزأ لشحنات صغيرة، ثم دمجها في السوق الرسمي وإعادة تصديرها كـ“استيراد نظيف”، تتحول سبائك ملوثة بدماء النزاعات إلى استثمارات مشروعة.
نجاح تنظيمي أم وهم كبير؟
عندما يسمع العالم بأحكام قاسية وغرامات ضخمة، يظن أن الإمارات تُحارب الفساد المالي. لكن الحقيقة مختلفة: هذه الإجراءات مجرد ستار دخاني لإقفال الملف أمام المجتمع الدولي.
العالم الرسمي يكتفي برؤية العقود الضخمة والاستثمارات المتدفقة، ولا يبحث في تفاصيل القنوات الخلفية. وهكذا، يُباع المشهد كـ”نجاح تنظيمي”، بينما يظل غسيل الأموال جزءًا جوهريًا من منظومة النفوذ الإماراتي.
والقضية ليست عن “ساهني” وحده أو الشبكات التي تسقط إعلاميًا بين الحين والآخر. إنها بنية عمل متكاملة تقوم على:
واجهة قانونية محسنة لإرضاء الغرب.
عقوبات انتقائية لتلميع الصورة.
قنوات خلفية تُغذي النفوذ السياسي وتموّل الحروب بالوكالة.
هذا النموذج يُحوّل الإمارات من “عاصمة نفطية” إلى مغسلة كبرى للأموال القذرة، تربط بين رأس المال غير المشروع والسياسة الإقليمية والدولية.
الرابط المختصر https://gulfnews24.net/?p=72635



