أخبار الخليج

اتفاق الدفاع السعودي – الباكستاني: إعادة رسم معادلة الأمن في الخليج

في خطوة وُصفت بأنها تحوّل استراتيجي لافت، وقّعت السعودية وباكستان اتفاقية دفاع مشترك تنص على أنّ أي اعتداء على أحد الطرفين سيُعتبر اعتداءً على الآخر، بما يشمل التعاون العسكري والاستخباراتي والنووي.

ورغم أن الاتفاق لم يُفصّل بنوده العميقة، إلا أنّ توقيته وسياقه الإقليمي يجعلان منه مؤشراً على تبدل الحسابات الأمنية في الخليج، وعلى انتقال الرياض نحو استراتيجية ردع متعددة الأبعاد تتجاوز الاعتماد التقليدي على الولايات المتحدة.

ردع مزدوج ورسالة إلى إسرائيل

جاء الاتفاق بعد الهجوم الإسرائيلي المفاجئ على قطر مطلع الشهر، والذي هزّ قناعة دول الخليج بجدوى المظلة الأمنية الأميركية.

من هنا، يُقرأ الاتفاق السعودي – الباكستاني كرسالة ردع مزدوجة: فهو موجه أولاً إلى إيران وحلفائها الإقليميين، وثانياً إلى إسرائيل التي باتت تشكل تهديداً مباشراً بعد قصف الدوحة.

ومن منظور الرياض، الاتفاق يهدف إلى تحصين أمن الخليج عبر تفعيل تحالف إسلامي يمتلك بعداً نووياً – وهو ما عبّرت عنه إسلام آباد حين أعلنت أنها “ستتيح” برنامجها النووي للمملكة إذا اقتضت الحاجة. هذا البعد يجعل الاتفاق ليس مجرد تفاهم عسكري، بل نقلة نوعية في التفكير الدفاعي الخليجي.

رسائل إلى واشنطن: شريك لا غنى عنه ولكن…

رغم البعد الاستراتيجي للاتفاق، لا تسعى السعودية إلى استبدال الولايات المتحدة كشريك أمني رئيسي. فواشنطن لا تزال المورد الأول للسلاح، وشبكة التعاون الدفاعي بين البلدين عميقة من حيث الصناعة والتدريب والاستخبارات.

غير أنّ تراجع الردع الأميركي في السنوات الأخيرة – من عجزه عن منع هجمات الحوثيين على منشآت أرامكو عام 2019، إلى موقفه المتواطئ مع إسرائيل في عدوانها على غزة والدوحة – دفع الرياض إلى البحث عن “تأمين إضافي”.

من هذه الزاوية، يشكل الاتفاق مع باكستان جزءاً من سياسة سعودية جديدة: تنويع المظلات الأمنية مع الاحتفاظ بعلاقة استراتيجية مع واشنطن. هذا النهج يعكس وعياً متزايداً بأن أمن الخليج لم يعد يمكن ضمانه عبر مزود خارجي واحد.

تطور تاريخي في التعاون السعودي – الباكستاني

التعاون الدفاعي بين البلدين ليس وليد اللحظة. فمنذ “معاهدة الصداقة” عام 1951، و”اتفاقية التنظيم” عام 1982 التي سمحت بتمركز قوات باكستانية في السعودية، ظلّت العلاقة الأمنية بينهما وثيقة. غير أن الجديد هو ترقية هذا التعاون إلى مستوى الدفاع المتبادل، ما يحوّله من شراكة تقليدية إلى تحالف أمني صريح.

الحوافز هنا واضحة: السعودية تملك النفوذ الاقتصادي والمالي، إذ تُعد أحد أكبر ممولي باكستان بأكثر من ستة مليارات دولار من القروض والودائع. أما إسلام آباد، فتمتلك القدرات النووية والجيش الكبير، ما يجعلها شريكاً قادراً على تزويد المملكة بردع نوعي طالما سعت إليه.

ويشمل الاتفاق بُعداً ميدانياً مباشراً يتعلق باليمن. فمنذ صعود الحوثيين إلى السلطة عام 2015 وتطور قدراتهم في الطائرات المسيّرة والصواريخ، واجهت السعودية تهديداً مستمراً لم تنجح الضمانات الأميركية في احتوائه. تجربة أرامكو عام 2019 مثّلت صدمة استراتيجية دفعت الرياض إلى إعادة تقييم اعتمادها على واشنطن.

وقد رفضت إسلام آباد في 2015 الانخراط العسكري المباشر في التحالف العربي، لكنها عادت لاحقاً لتعزيز التعاون البحري والدفاعي مع السعودية.

ويوفر الاتفاق الجديد إطاراً يتيح للرياض الاستعانة بقدرات باكستان في مواجهة التهديد الحوثي – وربما أي هجمات إيرانية أوسع تمتد من الخليج إلى البحر الأحمر.

التداعيات على الهند والممر الاقتصادي

لكن الاتفاق ليس بلا كلفة. فالتقارب السعودي – الباكستاني قد يُعقّد علاقة الرياض بنيودلهي، خصوصاً أن الهند ترى في باكستان خصماً استراتيجياً. مشروع “الممر الاقتصادي الهندي – الشرق الأوسط – أوروبا” (IMEC) الذي تراهن عليه السعودية لتعزيز مكانتها في التجارة العالمية قد يتباطأ نتيجة هذه الحساسية.

مع ذلك، تبدو الرياض واثقة من قدرتها على فصل الملفات: فهي تحتفظ بخطوط تعاون دفاعي واقتصادي مع الهند، أنشأت لجاناً وزارية للتنسيق العسكري، وتدرك أن نيودلهي تحتاج إلى الاستثمارات الخليجية لتفعيل سياستها “التوجه غرباً”. لذا، قد يؤدي الاتفاق مع باكستان إلى بعض التوترات، لكنه لن يطيح بالعلاقات السعودية – الهندية.

بالتوازي، تحاول إيران الاستفادة من الوضع. زيارة علي لاريجاني إلى الرياض هذا الشهر تعبّر عن مسعى إيراني لإعادة بناء الحوار مع السعودية وتخفيف التوترات. لكن الاتفاق السعودي – الباكستاني يضيف طبقة جديدة من الضغوط على طهران، إذ يرسّخ فكرة أن دول الخليج تتحرك لتشكيل منظومات ردع متعددة، لا تقتصر على واشنطن وحدها.

انعكاسات إقليمية أوسع

من المرجح أن يفتح الاتفاق الباب أمام موجة جديدة من الترتيبات الدفاعية في المنطقة.

الإمارات قد تتجه نحو اتفاق مشابه مع الهند، وهناك سوابق مثل التعاون الدفاعي الإماراتي – الفرنسي منذ 2009.

في هذا السياق، لا يُنظر إلى الخطوات السعودية والباكستانية كحركات معزولة، بل كجزء من إعادة اصطفاف أمني خليجي – آسيوي يعكس التحولات في موازين القوى العالمية.

الرابط المختصر https://gulfnews24.net/?p=72809

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى